للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنكيس القراءة]

قال ابن منظور فى لسان العرب: النكس:

قلب الشيء على رأسه، وقراءة القرآن منكوسا أن يبدأ بالمعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة، أو من آخر السورة فيقرأها إلي أولها.

وهو خلاف الأصل- أى الذى عليه المصحف وجاءت به السنة- إذ الأصل أن يقرأ من الفاتحة مرتبا إلى آخر الناس (١).

والعلماء فى حكم قراءة القرآن منكوسا تبعا لمذاهبهم فى حكم ترتيب الآى والسور.

أما الآى: فقد أجمعوا على أن ترتيبها بتوقيف من النبى صلّى الله عليه وسلم عن الله عز وجل، ولذا فقد اتفقوا على أن قراءة السورة من آخرها إلى أولها ممنوع، ولم يختلفوا فى حرمته، لأنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة الترتيب. وأيضا فإن السورة وحدة مستقلة، وتنكيسها إخلال بأجزاء وحدتها وتماسكها، ويترتب عليه إخلال بالمعنى «وكان جماعة يصنعون ذلك فى القصيدة من الشعر مبالغة فى حفظها وتذليلا للسان فى سردها، فمنع السلف ذلك فى القرآن، فهو حرام فيه» (٢).

أخرج الطبرانى بسند جيد عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنه سئل «أرأيت رجلا يقرأ القرآن منكوسا؟ فقال ذلك منكوس القلب. فأتى بمصحف قد زيّن وذهّب، فقال عبد الله: إن أحسن ما زيّن به المصحف تلاوته فى الحق» (٣).

وروى النسائى عن البراء- رضى الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلى خلف النبى صلّى الله عليه وسلم فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات»، وعنده أيضا وعند ابن خزيمة نحوه من حديث أنس لكن قال: ب «سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» (٤).

وأما تنكيس السور: فقد جوزه قوم منهم الإمام الشافعى، وكرهه، قوم منهم الإمام أحمد وأبو حنيفة ومالك والحسن.

أما المجوزون فقد قالوا: إن تقديم سورة متأخرة على أخرى تسبقها فى القراءة داخل أو خارج الصلاة ليس بحرام، لأن كل سورة وحدة مستقلة وموضوعها مستقل، فلا يضر تقديمها على غيرها.

قال ابن بطال: لا نعلم أحدا قال بوجوب


(١) انظر: لسان العرب لابن منظور ص ٤٥٤١ طبعة دار المعارف، والقاموس المحيط للفيروزآبادى ٢/ ٢٥٦ طبعة دار المأمون الرابعة سنة ١٣٥٧ هـ ١٩٣٨ م.
(٢) راجع فتح البارى لابن حجر ٨/ ٦٥٦ طبعة. دار الريان للتراث- الأولى ١٤٠٧ هـ ١٩٨٧.
(٣) راجع الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٤٤، وأخرجه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٧/ ١٦٨ وقال: رجاله ثقات، وذكره النووى فى التبيان ص ٧١ وقال: إسناده صحيح.
(٤) انظر: السنن للنسائى، باب قراءة النهار ١/ ١٥٣.