للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ترتيب السور فى القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها، بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة، والحج قبل الكهف مثلا، وأما ما جاء عن السلف من النهى عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها (٥).

وقال القاضى عياض: وترتيب السور ليس بواجب فى التلاوة ولا فى الصلاة ولا فى الدرس ولا فى التعليم. وأنه لم يكن من النبى صلّى الله عليه وسلم فى ذلك نص ولا حد تحرم مخالفته ... ثم قال: واستجاز النبى صلّى الله عليه وسلم والأمة بعده فى جميع الأعصار ترك ترتيب السور فى الصلاة والدرس والتلقين. ثم قال: إنه لا خلاف فى جواز قراءة المصلى سورة فى الركعة الثانية قبل التى قرأها فى الركعة الأولى، وإنما يكره ذلك فى ركعة، ولمن يتلو فى غير الصلاة. (٦)

وكلامه هذا فيه نظر، لأن الخلاف بين أهل العلم قائم، وإن كان يمكن تقريب وجهة نظرهم.

وقال النووى: ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلى الأولى، أو خالف الترتيب فقرأ سورة، ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاء بذلك آثار كثيرة. وقد قرأ ابن الخطاب رضي الله عنه فى الركعة الأولى من الصبح بالكهف، وفى الثانية بيوسف (٧).

واستدل أصحاب هذا القول بما رواه البخارى بسنده عن يوسف ابن ماهك قال:

إنى عند عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها إذ جاءها عراقى فقال: يا أم المؤمنين أرينى مصحفك؟ قالت: ولم؟ قال: لعلى أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ... » الحديث (٨).

وبما أخرجه مسلم بسنده عن حذيفة قال:

«صليت مع النبى صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت يصلى بها فى ركعة فمضى، فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوذ ... »

الحديث (٩). إلى غير ذلك من الأدلة.

أما الذين قالوا: إن ترتيب السور بتوقيف من الله تعالى، فقد قالوا: إن الأصل أن تكون القراءة على ترتيب المصحف، وقد فسر بعضهم قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية ٤) بمعنى اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم ولا تأخير (١٠).

قال ابن حجر: وقد نقل البيهقى عن أحمد


(٥) انظر: فتح البارى لابن حجر ٨/ ٦٥٦، وتفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص ٥٣.
(٦) راجع شرح النووى على صحيح مسلم ٣/ ٢٠٢ طبعة دار الغد الأولى ١٤٠٩ هـ ١٩٨٨ م.
(٧) التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص ٧٠.
(٨) الحديث: ذكره البخارى فى كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، انظر فتح البارى ٨/ ٦٥٥.
(٩) الحديث: ذكره مسلم فى كتاب الصلاة، باب استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل ٣/ ١٩٩ من شرح النووى، ورواه الترمذى فى الصلاة، باب ما جاء فى التسبيح فى الركوع والسجود ٢/ ٤٨، ٤٩.
(١٠) البرهان فى متشابه القرآن للكرمانى. انظر: ص ٢٣ من كتاب أسرار التكرار فى القرآن تحقيق/ عبد القادر أحمد عطا طبعة دار الاعتصام الثانية ١٣٩٦ هـ ١٩٧٦ م.