للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التصانيف المستقلة، وتعددت ألوانه، ورأينا كما هائلا من التفسير، يتناسب مع مكانة وأهمية الكتاب المفسّر، وهو القرآن الكريم، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

[خطآن شائعان:]

وفى هذا المقام لاحظت خطأين شائعين فى كتب من صنف فى مناهج المفسرين:

الخطأ الأول: هو القول بوجود مرحلتين منفصلتين للتفسير، مرحلة شفهية، شملت عصر الصحابة والتابعين، تليها مرحلة تدوينية لم تظهر إلا فى عصر تابعى التابعين، ولعلّ أول من وقع فى هذا الخطأ أستاذ العصر بلا منازع فى مجال مناهج المفسرين، وهو أستاذ أساتذتنا الشيخ الدكتور/ محمد الذهبى- رحمه الله، حيث نص صراحة فى سفره القيم «التفسير والمفسرون»، على وجود هذا الانفصال الزمنى، بين التفسير فى مرحلة الرواية، والتفسير فى مرحلة التدوين. (٢٤)

أما الخطأ الثانى: فهو قولهم: إن استقلال التفسير عن السنة بالتدوين، كان فى عصر تابعى التابعين، أو بعد هذا العصر.

فها هو ذا أحد أساتذتنا الأجلاء (٢٥) - أكرمه الله- يقول عن ابن جريج- وهو من تابعى التابعين-: «فهو أول من صنف فى تفسير القرآن على استقلال، فكتب فيه ثلاثة أجزاء كبار، عن ابن عباس- رضى الله عنهما».

بل إن الدكتور محمد الذهبى- رحمه الله- ليذهب إلى تأخير هذا الاستقلال إلى ما بعد جيل ابن جريج- رحمه الله. (٢٦)

فالروايات التى ذكرناها سابقا، والتى تنص صراحة على أن جماعة من التابعين، كسعيد ابن جبير، ومجاهد، وأبى العالية، والحسن البصرى الذين أخذوا التفسير عن الصحابة، كانوا يدونونه فى نفس الوقت الذى كانت الروايات التفسيرية تتناقل شفهيا، فى عصر الصحابة والتابعين، كما تدل الروايات عن هؤلاء التابعين بصراحة على أن تدوينهم للتفسير كان على جهة الاستقلال، وليس على أنه باب من أبواب السنة كما قيل، ولا يعنى هذا إنكار وجود من دوّن التفسير بعد ذلك مختلطا بالسنة، على أنه باب من أبوابها، ثم انتهى الأمر بعد هذا الاختلاط إلى الاستقلال التام، والاستقصاء الكامل، لتفسير كل آيات القرآن وسوره، على حسب الترتيب المعروف فى المصحف الشريف.


(٢٤) انظر: التفسير والمفسرون: ١/ ١٥١.
(٢٥) هو فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد جبريل فى كتابه القيم: «مدخل إلى مناهج المفسرين» ٨٣، طبعة الرسالة بالباب الأخضر بالقاهرة.
(٢٦) انظر التفسير والمفسرون: ١/ ١٥٢ وهو يتحدث عن الخطوتين الثانية والثالثة.