للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله- سبحانه- يذكّر الناس بالرواسى التى ألقاها فى الأرض، للسبب الذى سلف ذكره فى الآية السابقة، وكذلك السبل التى شقها فيها تيسيرا على الناس، ثم يضيف المولى- سبحانه- منة خلق الأنهار التى يرتوى منها البشر والحيوان والنبات، وخلق النجوم التى يهتدون بها فى سفرهم ليلا برا وبحرا.

ثم يوبخ المولى- سبحانه- الذين لم يؤمنوا به فى كل من الآيتين، ففي معجزة «الرتق والفتق» تكون مؤاخذة الله للكفار فى صيغة السخرية بهم وبعقولهم، وفى الآية التى نحن بصددها تكون السخرية أيضا فى صيغة الاستفهام الاستنكارى فى قوله عز وجل:

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ثم تكون الإضافة القرآنية الشريفة تقريعا للكافرين وتذكيرا للمؤمنين فى قوله جل وعز:

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

صدق ربى جلت قدرته فمن الذى يستطيع إحصاء نعمه وأفضاله ومننه وعطاياه.

وفى المقام نفسه يلفت المولى- سبحانه- عباده عن معجزة خلق السماوات، وما ميزها به من نجوم وكواكب جعلها زينة لها، ومعجزة خلق الأرض وتثبيتها بالجبال الرواسى وما منّ به من خلالها على الناس من الغيث يتنزل من السماء، فأنبت فيها كل ما تشتهيه الأنفس من حدائق ونخيل، وبعث الحياة فى الأرض الميتة، وتلك من المعجزات الكبرى، ويجعل ذلك مثالا للبعث الذى كذب به الكافرون، هذا فضلا عن بلاغة الإعجاز فى وصف مننه سبحانه على تعدد أنواعها تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وفى ذلك كله يقول جل من قائل: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١٩).

ويتمثل الإعجاز القرآنى المعبر عن المنن الإلهية فضلا عن خلق الأرض وإنبات الثمر والزرع فى جنات وأعناب وزرع ونخيل، أنها جميعا تسقى من ماء واحد مع أنها تختلف طعما وتتفاوت حسن مذاق، وهى قدرة لا يستطيع إنجازها إلا الله القادر الخلاق العظيم، لقد أنعم الله على خلقه بتلك المنن لتكون آيات للعاقلين على أن الله هو- وحده- الخلاق العظيم. يقول جلت قدرته فى كتابه


(١٩) سورة ق: الآيات ٦ - ١١.