للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدوثه، فعند أهل الحق: كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف، بل صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى، منافية للسكوت والآفة كما فى الخرس والطفولة، هو بها آمر، ناه، مخبر، وغير ذلك يدل عليها بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة، فإذا عبر عنها بالعربية فقرآن وبالسريانية فإنجيل، وبالعبرانية فتوراة، فالاختلاف فى العبارات دون المسمى، كما إذا ذكر الله تعالى بألسنة متعددة ولغات مختلفة.

وخالفنا فى ذلك جميع الفرق، وزعموا أنه لا معنى للكلام إلا المنتظم من الحروف المسموعة الدال على المعانى المقصودة، وأن الكلام النفسى غير معقول، ثم قالت الحنابلة والحشوية: إن تلك الأصوات والحروف مع تواليها وترتب بعضها على بعض ويكون الحرف الثانى من كل كلمة مسبوقا بالحرف المتقدم عليه، كانت ثابتة فى الأزل قائمة بذات البارى تعالى وتقدس، وأن المسموع من أصوات القراء والمرئى من أسطر الكتاب نفس كلام الله تعالى القديم.

وكفى شاهدا على جهلهم ما نقل عن بعضهم: أن الجلدة والغلاف أزليان. وعن بعضهم: أن الجسم الذى كتب به الفرقان فانتظم حروفا ورقوما هو بعينه كلام الله تعالى، وقد صار قديما بعد ما كان حادثا.

ولما رأت الكرّاميّة أن بعض الشر أهون من بعض، وأن مخالفة الضرورة أشنع من مخالفة الدليل ذهبوا إلى أن المنتظم من الحروف المسموعة مع حدوثه قائم بذات الله تعالى، وأنه قول الله تعالى لا كلامه. وإنما كلامه قدرته على التكلم وهو قديم، وقوله حادث لا محدث. وفرقوا بينهما بأن: كل ما له ابتداء إن كان قائما بالذات فهو حادث بالقدرة غير محدث، وإن كان مباينا للذات فهو محدث بقوله: «كن» لا بالقدرة.

والمعتزلة لما قطعوا بأنه المنتظم من الحروف، وأنه حادث، والحادث لا يقوم بذات الله تعالى، ذهبوا إلى أن معنى كونه متكلما أنه خلق الكلام فى بعض الأجسام. واحترز بعضهم من إطلاق لفظ المخلوق عليه لما فيه من إيهام الخلق والافتراء، وجوزه الجمهور.

ثم المختار عندهم- وهو مذهب أبى هاشم ومن تبعه من المتأخرين- أنه من جنس الأصوات والحروف، ولا يحتمل البقاء حتى أن ما خلق مرقوما فى اللوح المحفوظ أو كتب فى المصحف لا يكون قرآنا، وإنما القرآن ما قرأه القارئ وخلقه البارى من الأصوات المتقطعة والحروف المنتظمة.

وذهب الجبائى إلى أنه من جنس غير الحروف، يسمع عند سماع الأصوات، ويوجد