للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثال (هلمّ، وأقبل، وتعال، وإلىّ، وقصدى، ونحوى، وقربى)، وحتى هذا المثال لا يصحّ إلّا إذا أثبت أن هذه الألفاظ بألسنة مختلفة لا بلسان واحد.

أما استدلاله بأن اختلاف الناس فى القراءة هو الذى دفع عثمان رضي الله عنه أن يجمع المصحف على حرف واحد لدرء الخلاف، وتشبيهه لما فعله عثمان بأنه مثل اختيار خصلة من خصال الكفارة، فلا نوافقه عليه؛ لأن السبب المعقول أن الصحابة لمّا تفرقوا فى الأمصار وأقرءوا الناس بقراءاتهم التى سمعوها من النبى صلّى الله عليه وسلم حفظ منهم أهل الأمصار المختلفة قراءتهم، فلما اجتمع أهل الأمصار المختلفة فى غزاة سمع بعضهم قراءة بعض، فدفع الجهل والعصبية بعضهم إلى أن يقول: قراءتى خير من قراءتك. فرأى عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد بعد أن قال له حذيفة رضي الله عنه: أدرك أمتك قبل أن تختلف اختلاف اليهود والنصارى. فهل كان حذيفة يقصد أن يدرك عثمان الأمة من البلاء الذى ينزل عليهم بسبب الأحرف السبعة! بل الصواب أن عثمان رضي الله عنه جمعهم على مصحف واحد يجمع كل ما هو قرآن، وينفى عنه كل ما ليس بقرآن، فجمع المصحف على سبعة أحرف.

وأمّا تشبيهه للأحرف بخصال الكفارة فهو لا يستقيم؛ لأن خصال الكفارة كلها مخلوقة من أفعال العباد، أما الأحرف السبعة فهى منزلة من عند الله- سبحانه وتعالى- فهى من القرآن المعجز؛ ولذا لم يرتض أهل التحقيق من المتكلمين والفقهاء والقراء ما ذهب إليه الطبرى وشيعته، ونقل ابن الجزرى أن جماعات الفقهاء والمتكلمين والقراء على أن المصاحف العثمانية جمعت الأحرف السبعة. ونقل البدر العينى عن أبى الحسن الأشعرى الإجماع على عدم جواز تضييق ما وسعه الله على عبده من إنزاله القرآن على أحرف، ولا حرج أن يقرأ بأى حرف شاء مما نزل به القرآن. وقرر أبو شامة ذلك فى «المرشد الوجيز» فى غير ذات موضع: فمرة ينقل عن أبى بكر ابن الطيب أن مصحف

عثمان جمع ما أقرأ به النبىّ صلّى الله عليه وسلم الناس، ووصل إلينا متواترا، أما الآحاد فلم يدونه كقراءة ابن مسعود فى: فَإِنْ فاؤُ زاد فى قراءته (فيهن). وفى موضع آخر يقرر أنه- عثمان- ما كان هو ولا أحد من أئمة المسلمين يستجيز المنع من القراءة بحرف ثبت أن الله- تعالى- أنزله. وموضع ثالث ينفى ما يتوهم من أن المصاحف العثمانية جمعت حرفا واحدا، بل جمعت الأحرف السبعة حتى يقرر أن عثمان رضي الله عنه عرف حاجة الناس للأحرف السبعة فأثبتها فى مصاحفه.