للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مريم لهارون، وهى أخت موسى- عليهما السلام- فكان القرآن يرد بحسم على تشبيهاتهم وسفههم. وكذلك النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ما ردّ على نصارى نجران بأنهم كانوا يسمون بأنبيائهم وصالحيهم (١١).

(ج) الفهم الخاطئ عن حسن قصد لبعض نصوص التنزيل؛ بسبب النقص فى أدوات الاجتهاد الأخرى، مما يدفع للتسرع والعجل، وقد وقعت نماذج من ذلك من الصحابة رضى الله عنهم، وكأنه- سبحانه- أراد أن ينبه على وجود التزام أقصى غايات الاحتياط وبذل الجهد فى فهم الكتاب العزيز؛ لأن الصحابة الذين شهدوا منازل الوحى يقع منهم مثل هذا، فعلى الجميع أن يتحروا التقوى وبذل أقصى الجهد فى فهم الكتاب، وسنعرض نموذجين فقط من هذه النماذج وهما:

(١) ما وقع فى فهم بعض الصحابة لقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، فالمجاز المشهور الذى يكاد يلحق بالحقيقة، أن المقصود بالخيط الأبيض بياض النهار، والخيط الأسود سواد الليل، ثم نزل البيان المانع من حمل معنى الخيطين على الحقيقة، وهو قوله- تعالى-: مِنَ الْفَجْرِ ولكن بعض الصحابة حملوا المعنى على الحقيقة فجاء بخيطين: أبيض وأسود، وربطهما في قدميه، وظل يأكل حتى يتبين كل واحد من الآخر، حتى نزل البيان بقوله: مِنَ الْفَجْرِ هكذا فى رواية البخارى (١٢) التى نقلها الحافظ ابن كثير فى تفسيره، ثم ذكر روايات أخرى فقال:

«وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام أخبرنا حصين عن الشعبى أخبرنى عدى بن حاتم قال لما نزلت هذا الآية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عمدت إلى عقالين: أحدهما أسود، والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتى. قال:

فجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لى الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته بالذى صنعت فقال:

إن وسادك إذا لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل». أخرجاه فى الصحيحين (١٣) من غير وجه عن عدى.

ويعنى قوله: «إن وسادك إذا لعريض أى:

إن كان ليسع الخيطين الأسود والأبيض المراد بهذه الآية تحته، فيقتضى أن يكون بعرض المشرق والمغرب.

وهكذا وقع فى رواية البخارى (١٤) مفسرا بهذا: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو


(١١) أخرجه مسلم (كتاب الآداب- باب النهى عن التكنى بأبى القاسم ... )، والترمذى (كتاب التفسير- باب من سورة مريم) وقال: (حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس).
(١٢) صحيح البخارى (كتاب التفسير- سورة البقرة باب (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) .. إلخ).
(١٣) انظر نفس المصدر السابق، وصحيح مسلم كتاب الصيام باب بيان أن الدخول فى الصوم يحصل بطلوع الفجر ... إلخ).
(١٤) نفس الموضع من الجامع الصحيح.