للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ز) أن يأتى مبهم من مبهمات القرآن وقع بيانها فى الكتاب أو السنة، كتفسير لفظ:

(خليفة) فى قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فجاء البيان فى القرآن بأنه (آدم) عليه السّلام، وكذلك (العبد الصالح) فى آية الكهف: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، فجاء البيان فى السنة فى حديث البخارى الطويل بأنه الخضر عليه السّلام.

(ح) تبادر أن للمنطوق مفهوما ثم يبين صاحب الشريعة أنه لا مفهوم له- كما فى حديث آية قصر الصلاة فى السفر: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فإن قيد إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لا مفهوم له، بيّن لهم ذلك المصطفى صلّى الله عليه وسلم حين قال:

«صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته» (١٩) وذلك جواب على استفسار بعض الصحابة الذين أشكل عليهم فهم الآية؛ لأن القيد هنا خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب أسفارهم كانت مخوفة. وكذلك خرج القيد مخرج الغالب فى قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً وقوله تعالى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ.

(ط) أن تراد الحقيقة الشرعية (عند القائلين بوقوعها) وهى دون الحقيقة اللغوية فيحتاجون للبيان من الشارع.

فهذه تسعة أسباب لوقوع هذا القسم من الغريب للعرب الخلص من الصحابة، ثم امتنعت خطوات الحديث عن الغريب بعد عصر النبوة، وفى عصر الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم، وكلما طال الزمان على الناس، احتاجوا إلى البيان وإلى المزيد منه، ثم اتسعت الدولة الإسلامية وظهر المولدون وذهب العرب الخلص، فصار الاحتياج إلى ما كان ظاهرا بينا، حتى سرى إلى كثير من العامة وإلى بعض الخاصة، فصنفت كتب النحو والصرف والبلاغة والمعاجم وفقه اللغة، وأفردت المصنفات فى غريب القرآن، وبيان أن اللفظ لا تتوقف معرفته على معرفة حقيقته؛ لأن حمله على الحقيقة اللغوية قد يسبب مفاسد عظيمة فى فهم النص الشرعى، وأوضح من دلل على فائدة معرفة معانى مفردات غريب القرآن الراغب الأصفهانى فى مقدمة كتابه «المفردات»، فقد بيّن أن أول درجات الوصول لمعانى القرآن فهم مفرداته، بل هى أول درجات إتقان العلوم المختلفة؛ لأن ألفاظ القرآن هى لب كلام العرب، وذكر أنه فى كتابه سيبين الألفاظ القرآنية ويبين مناسبتها لسياقها والاشتقاقات وكذلك الألفاظ المستعارات منها (٢٠).


(١٩) الحديث أخرجه البخارى ومسلم وأصحاب السنن.
(٢٠) مقدمة المفردات: (ص. د، هـ).