للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن توقفت صحة دلالة اللفظ على إضمار سميت دلالة اقتضاء، نحو: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (١٣)، أى: أهلها، وإن لم تتوقف ودل اللفظ على ما لم يقصد به سميت دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (١٤) على صحة صوم من أصبح جنبا، إذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبا فى جزء من النهار. وقد حكى هذا الاستنباط عن محمد ابن كعب القرظى.

والمفهوم: ما دل عليه اللفظ، لا فى محل النطق وهو قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة:

فالأول: ما يوافق حكمه المنطوق؛ فإن كان أولى سمى فحوى الخطاب كدلالة: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ (١٥) على تحريم الضرب؛ لأنه أشد وإن كان مساويا سمى لحن الخطاب، أى معناه، كدلالة: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً (١٦) على تحريم الإحراق؛ لأنه مساو للأكل فى الإتلاف. واختلف: هل دلالة ذلك قياسية أو لفظية مجازية أو حقيقية؟

على أقوال بيناها فى كتبنا الأصولية.

والثانى: ما يخالف حكمه المنطوق، وهو أنواع: مفهوم صفة، نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا، نحو: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (١٧)، مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين فى خبره؛ فيجب قبول خبر الواحد العدل. وحال نحو: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (١٨)، الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (١٩) أى فلا يصح الإحرام به فى غيرها: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (٢٠) أى فالذكر عند غيره ليس محصلا للمطلوب، فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (٢١) أى: لا أقل ولا أكثر. وشرط نحو:

وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ (٢٢) أى فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن. وغاية نحو: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (٢٣) أى: فإذا نكحته تحل للأول بشرطه. وحصر نحو: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (٢٤). إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ (٢٥)؛ أى: فغيره ليس بإله، فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ (٢٦)، أى: فغيره ليس بولى، لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (٢٧)، أى: لا إلى غيره، إِيَّاكَ نَعْبُدُ (٢٨) أى: لا غيرك.

واختلف فى الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة، والأصح فى الجملة أنها كلها حجة بشروط:

منها: ألا يكون المذكور (خرج للغالب) ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ (٢٩)؛ فإن الغالب كون


(١٣) يوسف: ٨٢.
(١٤) البقرة: ١٨٧.
(١٥) الإسراء: ٢٣.
(١٦) النساء: ١٠.
(١٧) الحجرات: ٦.
(١٨) البقرة: ١٨٧.
(١٩) البقرة: ١٩٨.
(٢٠) البقرة: ١٩٧.
(٢١) النور: ٤.
(٢٢) الطلاق: ٦.
(٢٣) البقرة: ٢٣٠.
(٢٤) الصافات: ٣٥.
(٢٥) طه: ٩٨.
(٢٦) الشورى: ٩.
(٢٧) آل عمران: ١٥٨.
(٢٨) الفاتحة: ٥.
(٢٩) النساء: ٢٣.