للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يراد تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم.

والأشياء الواضحة الجلية يقسم بها لا عليها، ويجوز ذلك فى القرآن. وذكر أن فى القرآن تارة يذكر جواب القسم، وتارة يحذف، والأول الغالب. والحالف لا يعيد المقسم عليه ولو كرر القسم، ولما كان القسم يكثر فى الكلام حذف فعله واكتفى بالباء، ثم حذفت وعوض عنها بالواو فى الأسماء الظاهرة والتاء فى أسماء الله. فسبحانه وتعالى يقسم على أصول الإيمان وأن الرسول حق، وأن الجزاء والوعد والوعيد حق، وحال الإنسان.

فمن الأول: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (٢٠) إلى قوله: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٢١)، ومن الثانى:

يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٢)، ومن الثالث: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (٢٣) إلى قوله تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٢٤)، ومن الرابع: وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٢٥).

ثم ذكر أن الجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره، بل يراد تعظيم المقسم به، وهذا يذكر معه الفعل مع حرف القسم كقولك: (فلان يحلف بالله وحده)، وقد يكون بحرف القسم فقط كقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا، ومقلب القلوب»، وتارة بحذف الجواب، وهو مراده لظهوره بدلالة الحال، أو بدلالة السياق، ويكثر إذا كان فى نفس المقسم به ما يدلّ عليه، وهى طريقة القرآن؛ لأن المقصود يحصل بذكر المقسم به، فيكون حذف المقسم عليه أبلغ، كمن أراد أن يقسم على أن الرسول حق فقال: والذى أرسل محمدا بالهدى ودين الحق وأيده بالآيات البينات ... فلا يكون فى حاجة إلى جواب.

ومن ذلك قوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (٢٦). انتهى ملخصه.

تنبيهات: أحدها: قد تقع (لا) قبل فعل القسم كقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (٢٧) واختلف العلماء فى تفسير المراد عندئذ على ثلاثة أقوال مبناها اختلاف فى (لا):

١ - أن (لا) نافية فهو نفى للجملة، وليس نفيا لاستحقاقها القسم بها.

٢ - أن (لا) نافية نفت الكلام السابق وجملة القسم مثبتة وهو أضعفها.

٣ - أن (لا) زائدة لمجرد التأكيد، وجملة القسم مثبتة.

وعليه يكون القسم حاصلا على قولين وغير حاصل على قول.


(٢٠) سورة الصافات (١).
(٢١) سورة الصافات (٣).
(٢٢) سورة يس (١ - ٣).
(٢٣) سورة الذاريات (١).
(٢٤) سورة الذاريات (٥، ٦).
(٢٥) سورة العصر (١ - ٣).
(٢٦) سورة ص (١).
(٢٧) سورة القيامة (١).