قراءة النفى أمر محمد صلّى الله عليه وسلم ودين الإسلام، ويراد منها على قراءة الإثبات الجبال الحقيقية- والمسألة مبسوطة فى كتب التفسير وفى «النشر» لابن الجزرى.
نقول: إذا كان من القراءات ما قد يختلف فأيهما كان أدعى للخلاف على النحو الذى زعموا، وأيهما كان أرفع له؟. أهو اختلاف المعنى البالغ هذا الحد. أم هو مجرد اختلاف الألفاظ المترادفة المتفقة المعنى تماما على ما زعموا فى المراد من الأحرف؟ أفيقع الخلاف بسبب تعدد تلك الألفاظ المترادفة ليرفعه عثمان بإبقاء واحد فقط من تلك الألفاظ؟ أم يقع بسبب مثل هذا الاختلاف البالغ فى المعنى ويكون أجدر بدرجات أن يرفع لأجله عثمان إحدى القراءتين؟. فإذا أبقى عثمان رضي الله عنه هاتين القراءتين جميعا- مع أن الأمر فيهما هو على الاختيار لأى منهما- فما ذاك إلا لكونه لا يستجيز، بل لا يجرؤ هو ولا غيره حتى لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم نفسه على حذف شىء مما أنزله الله ولم يأذن برفعه. وهكذا كان رضى الأصحاب أيضا، إذن- معالجة عثمان للخلاف هو على النحو الذى وصفنا من هذا الخلاف، ودفعه- أعنى تجريد عثمان للمصحف- من كل ما ليس بقرآن، وإحراق كل ما يشتمل مع القرآن على غيره من الصحف أو المصاحف، أخرج ابن أبى داود فى «المصاحف» بسند صحيح- كما قال الحافظ- من طريق سويد ابن غفلة قال:«قال علىّ: لا تقولوا فى عثمان إلا خيرا، فو الله ما فعل الذى فعل فى المصاحف إلا عن ملأ منا، قال: ما تقولون فى هذه القراءة، فقد بلغنى أن بعضهم يقول: إن قراءتى خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرا، قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت».
وهكذا تم لعثمان ما أراد من هذا الجمع بمرضاة من الصحابة.
مشكلة عرضت فى هذا الجمع شبيهة بأختها فى الجمع البكرى والحل هو نفس الحل:
أخرج البخارى فى سورة الأحزاب من كتاب التفسير عن زيد بن ثابت أنه قال:«لما نسخنا المصحف فى المصاحف، فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرؤها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصارى الذى جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. قال الحافظ فى «الفتح»:
«هذا يدل على أن زيدا لم يكن يعتمد فى جمع القرآن على علمه ولا يقتصر على حفظه، لكن فيه إشكال، لأن ظاهره أنه اكتفى مع ذلك بخزيمة وحده والقرآن إنما يثبت