سواء نزل القرآن عقب حدوثها مباشرة، أو تراخى عن ذلك الحدوث زمنا لحكمة، ما دام الحدث قد وقع فى عهد النبى صلّى الله عليه وسلم.
وعليه فإنه من التوسع الذى لا يتفق وهذا التحديد فى التعريف ما فعله بعض العلماء، أو ذهب إليه بعض المفسرين من اعتبار الحوادث الماضية، والوقائع الغابرة التى نزل بها القرآن، وساقها فى مجال العظة والعبرة من قبيل أسباب نزول ما جاء فى حكايتها وفى تفصيلها من الآيات، فما حدث بين الأنبياء السابقين وأقوامهم من اتّباع هؤلاء الأقوام لهم، أو صدّهم عن رسلهم، ومن تصديقهم أو تكذيبهم إياهم، وما تخلل ذلك من إيذاء للرسل، لا يعتبر شىء من ذلك سببا لما نزل بحكايته من آيات القرآن الكريم، بل إذا كان هناك من سبب للنزول فى أمثال هذه القصص فإنه بالقطع ليس تلك الأحداث فى ذاتها، وإنما ما سيقت لأجله من العظة والعبرة للمؤمنين من جهة، ولتهديد الكافرين من جهة أخرى، ولتثبيت قلب النبى صلّى الله عليه وسلم من جهة ثالثة، وكثيرا ما نرى هذه الأسباب مصرحا بها فى القرآن الكريم نفسه.
وذلك كما جاء فى قول الله تعالى عقب حديث عن المشركين من قريش فيه تعريض بهم، وتهديد لهم: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يوسف/ ١٠٩ - ١١١.
ومن هذا القبيل: ما جاء عقب حديث القرآن الكريم عن أطراف من قصص نوح وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، من قول الحق تبارك وتعالى:
ومنه كذلك ما جاء تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو قول الله سبحانه: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)