للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك نحو قول العرب فى البليد: كأن فى أذنى قلبه خطلا، وإن جعلوه كالحمار. ثم رشحوا ذلك دوما لتحقيق البلادة، فادعوا لقلبه أذنين وادعوا لهما الخطل ليمثلوا البلادة تمثيلا يلحقها ببلادة الحمار (٧).

يعنى أن هذا الترشيح يبعد المشبه به عن جنسه وينسى السامع أصله، وفى هذا مبالغة فى إثبات المعنى المجازى المراد.

ومن الاستعارة المرشحة فى القرآن الكريم قوله تعالى:

الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ (٨).

فالنقض: هو الفسخ وفك التركيب، وإيقاعه على العهد من أجل تشبيه العهد بالحبل المبرم، وقوله تعالى:

مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ أى من بعد إحكام برمه وتوثيقه، ترشيح للاستعارة؛ لأنه من ملائمات المشبه به، وهو الحبل. ففي هذا الترشيح زيادة تناس للنسبية، حتى لكأن العهد صار حبلا فعلا.

وقد استعير النقض- كذلك- لعدم الوفاء بموجب العهد، إخراجا للمعنوى المعقول فى صورة المادى المحسوس، اعتناء به، وتنويها ببشاعته، وهى استعارة تصريحية تبعية.

ومثلها الاستعارتان فى قوله تعالى:

وَيَقْطَعُونَ ويُوصَلَ وكل هذه الاستعارات يرشح بعضها بعضا.

لأنه لا نقض، ولا حبل، ولا قطع، ولا وصل على الحقيقة فى الأمور المعنوية.

والاستعارات المرشحة، لها ورود ملحوظ فى آيات الذكر الحكيم، وهى- كما تقدم- من أبلغ الاستعارات ومن أعلاها شأنا، للمبالغة فى إثبات المعنى المجازى المراد، عن طريق تناسى التشبيه، وصيرورة المشبه من جنس المشبه به.

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى


(٧) الكشاف (١/ ١٩٢ - ١٩٣).
(٨) البقرة (٢٧).