للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسميت الكناية لازم معنى اللفظ المستعمل فيها لأنه يلزم من كثرة الطهو كثرة الكرم.

فلفظ الكناية أيا كان ملزوم، ومعناها لازم لا ينفك عنها.

والكناية تجمع- على الأرجح- بين الحقيقة والمجاز؛ لأن لفظ الكناية لم يرد منه معناه الموضوع له مباشرة فيكون حقيقة، ولم تمتنع إرادته مع إرادة المعنى الكنائى فيكون مجازا.

لذلك يقال: إن الكناية لها جانبان: حقيقة ومجاز وأن قرينة الكناية غير مانعة من إرادة المعنى الأصلى، وقرينة المجاز مانعة.

فالكناية على هذا ليست حقيقة خالصة، وليست مجازا خالصا. وهذا هو الحق، الذى لا يجوز أن يحاد عنه والكناية من الأساليب الكثيرة الشيوع فى الكلام البليغ، وبخاصة فى القرآن الكريم؛ فلا تكاد تخلو منها سورة؛ لأن لها مقامات تؤثر هى فيها عن غيرها.

وفى القرآن الكريم نجد حقلا من حقول التعبير آثر القرآن الكريم التعبير الكنائى فيه دون غيره.

فمثلا العلاقات الجنسية، سواء كانت بين الأزواج، أو غير الأزواج نجد القرآن يعدل عدولا تاما عن التصريح بها وإيثار الكناية فى كل حديث عنها؛ لأن من دواعى العدول إلى الكناية فى البلاغة بوجه عام مقامات محددة منها ما يستقبح أو يستهجن ذكره صراحة، فيعدل إلى التعبير الكنائى عنه ترفعا وأدبا.

فخذ إليك مثلا قوله تعالى:

وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ (٣).

هذا توجيه من الله لراغبى الزواج من النساء المتوفى عنهن أزواجهن والمطلقات. بألا يخطبوهن فى عدتهن حتى تنقضى مدة العدة.

وهنا يؤثر القرآن الكريم التعبير الكنائى عما يكون بين الأزواج فيسميه سِرًّا ولا يفصح عنه. وإنما سمّى ما يستهجن ذكره سرا، لأنه لا يقع إلا فى السر، والكناية هنا عن صفة وهى مباضعة النساء.

* وكذلك آثر التعبير الكنائى عنه فى قوله تعالى:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (٤).

فكنى عنه ب «الإتيان» وهو يطلق على عدة


(٣) البقرة (٢٣٥).
(٤) البقرة (٢٢٣).