للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلّى الله عليه وسلم: «البينة وإلا حدّ فى ظهرك». قال:

فقال هلال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته، أيلتمس البينة؟ فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «البينة وإلا فحد فى ظهرك» قال: فقال هلال: والذى بعثك بالحق إنى لصادق، ولينزلن الله فى أمرى ما يبرئ ظهرى من الحد، فنزل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فقرأ حتى بلغ: وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ النور/ من الآية: ٦ - ٩ قال: فانصرف النبى صلّى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية فشهد، والنبى صلّى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالوا لها: إنها موجبة فقال ابن عباس: فتلكأت ونكست حتى ظننا أنها سترجع، فقالت: لا أفضح قومى سائر اليوم، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين (٥١) سابغ الأليتين (٥٢) خدلج الساقين (٥٣) فهو لشريك بن السحماء». فجاءت به كذلك، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم:

«لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل لكان لنا ولها شأن» (٥٤).

فالحديث كما هو واضح يصرح بأن سبب النزول هنا خاص، وهو قذف هلال بن أمية زوجته بشريك بن السحماء، والآيات المذكورة نزلت بحكم اللعان بلفظ عام، لأنها مبدوءة بقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الآية، واسم الموصول من صيغ العموم وموضوع خلاف العلماء هنا هو:

هل لفظ الآية العام يتناول بنصه كل قاذف لزوجته من غير شهود يشهدون معه؟ ولا حاجة مع هذا النص إلى أدلة أخرى من اجتهاد أو قياس فى تعميم هذا الحكم على غير هلال بن أمية، أى أن العبرة بعموم اللفظ فى الآيات، لا بخصوص السبب النازلة عليه، أو أن لفظ الآيات العام قاصر فى حكمه على سببه الخاص، وهو قذف هلال بن أمية امرأته، وأما من عداه ممن يفعل فعله فلا ينطبق عليه الحكم من خلال لفظ الآيات، وإنما ينطبق عليه بدليل آخر هو القياس، والعبرة عندئذ تكون بخصوص السبب لا بعموم اللفظ؟ رأيان للعلماء: ذهب إلى الأول منهما جمهور العلماء، وذهب إلى الثانى فريق منهم.

وقبل أن نستعرض أدلة كل فريق ينبغى التأكيد على أن الجميع متفقون على تعميم أحكام الآيات التى نزلت بألفاظ العموم، وإن كان سببها خاصا، ما دامت قد خلت عن قرينة تمنع من هذا التعميم، بمعنى أن اللفظ العام


(٥١) أكحل العينين: هو الذى يعلو جفن عينيه سواد مثل الكحل.
(٥٢) سابغ الأليتين: الأليتين تثنية الألية بفتح الهمزة، وسكون اللام هى: العجيزة أو ما ركب من شحم أو لحم: أى تام الأليتين وعظيمهما.
(٥٣) خدلج الساقين: بخاء ودال مهملة ولام مشددة مفتوحة: أى عظيم الساقين.
(٥٤) هذا الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه: ك: التفسير، ب: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ حديث/ ٤٧٤٧ وأبو داود فى سننه: ك: الطلاق، باب فى اللعان، حديث/ ٢٢٥٤ والترمذى فى سننه: ك: التفسير، ب: ومن سورة النور، حديث/ ٣١٧٩ واللفظ هنا للترمذى.