ينبغى أن يفعله من يظاهر من زوجته- عند العود- من الإتيان بالكفارة: من تحرير الرقبة، أو الصيام، أو الإطعام، وأن ذلك لكل مظاهر. أقول: استدلوا على ذلك بعموم ما ورد فى قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ المجادلة/ ٣، ٤. مع أن السبب فى نزول هذه الآيات هو فعل أوس بن الصامت رضي الله عنه، لما ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة كما سيأتى بيانه فى موضع قادم إن شاء الله تعالى.
والصحابة- رضوان الله تعالى عليهم- من العرب الخلّص، الذين يعرفون بسليقتهم ما تفيده الألفاظ العربية، ولو كان ورود العام على سبب خاص يستلزم قصره عليه- فيما عهدوه من لغتهم- لما ذهبوا إلى هذا التعميم ولوقفوا عند مقتضى التخصيص، ولكن ذلك لم ينقل عنهم.
بل أصرح من هذا: أنه قد ورد عنهم ما ينص على هذا التعميم، قال ابن جرير الطبرى رحمه الله تعالى: «حدثنى محمد بن أبى معشر، قال: أخبرنى أبو معشر نجيح، قال: سمعت سعيدا المقبرى يذاكر محمد بن كعب، فقال: إن فى بعض الكتب: إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصبر، لبسوا منسوك الضأن من اللين، يشترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى:
أعلى يجترئون، وبى يغترون؟ وعزتى لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران. فقال محمد بن كعب: هذا فى كتاب الله جل ثناؤه، فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال:
قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ البقرة/ ٢٠٤، ٢٠٥ فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية، فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل فى الرجل ثم تكون عامة بعد» (٥٦).
وشبيه بذلك ما صرح فيه عقب نزول بعض الآيات باعتبار عموم لفظه، على الرغم من خصوص سببه كما جاء فى الحديث التالى:
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة حرام، فأتى النبى صلّى الله عليه وسلم فسأله عن كفارتها فنزلت: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
(٥٦) جامع البيان عن تأويل آى القرآن: لمحمد بن جرير الطبرى: دار الفكر بيروت، ١٤٠٨ هـ ١٩٨٨، (٢/ ٣٢٣).