تماما كالطبيب الذى يعطى المريض دواءه على جرعات ولو أعطاه له مرة واحدة لتحقق أحد أمرين، إما رفض المريض للدواء والصد عنه، وإما القضاء عليه.
(د) نزل القرآن منجما لمواكبة الحوادث، وهى متجددة متعددة. فكان كلما جدّ جديد من الأمور المصلحية التى تتعلق بمصالح العباد فى العاجل والآجل، جاء حكم الله فيها؛ فيرسخ فى النفوس، وتتجاوب معه وترتضيه.
وفى القرآن آيات كثيرة نزلت على سبب أو أكثر، إذا جهل سببها لا يعرف حكمها؛ فكان ما نزل فيها تقريرا شافيا، وحكما عادلا، لا يستطيع أحد رده، ولا يسع المسلمين إلا قبوله والرضا به.
(هـ) الرد على شبه المشركين، ودحض حجج المبطلين؛ إحقاقا للحق، وإبطالا للباطل.
وفى ذلك رد لكيدهم فى نحورهم أولا بأول، حتى لا يتمادوا فى غيّهم وإضلالهم لضعفاء النفوس منهم، وحتى لا يتأثر أحد من المسلمين بأقوالهم، فينعكس ذلك على إيمانه وطاعته لله رب العالمين.
والقلوب تحتاج دائما إلى تطهير من الشبهات والوساوس الشيطانية والهواجس النفسية، فكان القرآن الكريم كفيلا بذلك كله كما قال- جل شأنه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً الإسراء: ٨٢
(و) وهناك أمر آخر يغفل عنه كثير من أهل العلم فى حكمة التنجيم، وهو الدلالة على الإعجاز البيانى والتشريعى للقرآن (١) فإنه- وإن كان قد نزل مفرقا فى نحو ثلاثة وعشرين عاما وفى أوقات متباينة، وأحكام مختلفة، وحوادث متعددة. قد رتب ترتيبا عجبا لا ترى فيه بترا ولا خللا بين آياته، ولا تنافرا بين ألفاظه، ولا تناقضا فى معانيه، ولا اختلافا فى مقاصده ومراميه كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود (١). وقد بيّن الله هذه الحكم السامية فقال: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا الإسراء: ١٠٦.