وإن وجب فى بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، ليعرف الحكم الذى تضمنها؛ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول صلّى الله عليه وسلم، وقوله هذا هو الأول المكى، وهذا هو الآخر المدنى.
وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم لما لم يعتبروا أن من فرائض الدين تفصيل جميع المكى والمدنى مما لا يسوغ الجهل به، لم تتوفر الدواعى على إخبارهم به ومواصلة ذكره على أسماعهم وأخذهم بمعرفته، وإذا كان كذلك ساغ أن يختلف فى بعض القرآن هل هو مكى أو مدنى، وأن يعملوا فى القول بذلك ضربا من الرأى والاجتهاد، وحينئذ فلم يلزم النقل عنهم ذكر المكى والمدنى، ولم يجب على من دخل فى الإسلام بعد الهجرة أن يعرف كل آية أنزلت قبل إسلامه مكية أو مدنية.
فيجوز أن يقف فى ذلك أو يغلب على ظنه أحد الأمرين، وإذا كان كذلك بطل ما توهموه من وجوب نقل هذا، أو شهرته فى الناس، ولزوم العلم به لهم ووجوب ارتفاع الخلاف فيه). أهـ.
لهذا لا يجب أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن كل هذه الوجوه التى ذكرها أبو القاسم النيسابورى، ولكننا نكتفى بما تتعلق به فائدة فى معرفة حكم من أحكام الدين.
وأشهر ما يعنى به العلماء من هذه الوجوه معرفة المكى والمدنى، ومعرفة ما نزل قبل وما نزل بعد، ومعرفة أسباب النزول من أجل ترتيب الأحكام ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك مما يحتاج إليه علماء الفقه والأصول فى الجمع والترجيح.