نفسه وفى السنة النبوية، وفى التاريخ القديم، وفى عادات الناس وأحوالهم. وغير ذلك مما يحمل المعانى على محمل يزيل خفاءها ويضعها فى مواضعها.
(ز) ولا يخفى أن وجود المبهم فى القرآن الكريم يدرب الذهن على كشف خفائه وإزالة إشكاله، ومعرفة أسراره القريبة والبعيدة بقدر الطاقة البشرية.
(ح) وهناك سبب وجيه لا ينبغى أن يفوتنى ذكره وهو رعاية التناسب بين ما يذكر هنا وهناك.
ومن أمثلة ذلك: ما جاء فى قصة شعيب- عليه السلام- فإنه حين أخبر عن مدين ذكر أن شعيبا أخوهم فقال: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، وحين أخبر عن أصحاب الأيكة وهم أهل مدين لم يقل: أخاهم! والحكمة فيه:
أنه لما عرّفهم بالنسب، وهو أخوهم فى ذلك النسب، ذكره، ولما عرّفهم بالأيكة التى أصابهم فيها العذاب لم يقل: أخاهم؛ حيث أخرجه عنهم، (١)
(٤) وقد تتبع الإمام السيوطى هذه المبهمات فى القرآن الكريم فصنفها إلى مبهمات فى أفراد الإنسان والملائكة والجان والأقوام والقبائل والحيوان والأمكنة والأزمنة، وما إلى ذلك.
وقد رتبة على ترتيب آى القرآن فى فصل سماه «ذكر آيات المبهمات» تحت النوع السبعون من كتاب «الإتقان».
واعتمد فيه على النقل المجرد، وفيه من الأقوال ما صح سنده وما لم يصح، والعهدة عليه فيما نقل، وسنذكر هنا شيئا من المبهمات فوق ما ذكرناه من قبل؛ تتمة للفائدة؛ اعتمادا على ما نقله المفسرون والمحدّثون وغيرهم ممن عنى بذكرها.
(٥) فى القرآن أفراد من الرجال ذكرهم الله بأوصافهم تعظيما لشأنهم وتقديرا لجهودهم وأبهم أسماءهم؛ إمّا لشهرتهم عند نزول الآية؛ وإمّا لتدريب الذهن على معرفتهم عن طريق أوصافهم لمحاكاتهم فى تحصيل تلك الأوصاف إن استطاعوا أو الاقتداء بهم بقدر طاقاتهم، وتعطير أفواههم بالثناء عليهم والدعاء لهم:
(أ) من ذلك قوله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ النور: ٢٢.
قال ابن كثير فى تفسيره نقلا عن البخارى وابن جرير: هو الصديق أبو بكر
(١) انظر البرهان فى علوم القرآن. للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشى تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم ط دار الفكر ج ١ ص ١٥٦ وما بعدها.