ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسى والأنهار وغير ذلك، فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك بعد خلق السماء، يدل لهذا أنه قال: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ولم يقل خلقها، ثم فسر دحوه إياها بقوله: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها.
وقد نسب هذا القول لابن عباس رضى الله عنهما وغيره، وبهذا يزول ما تبقى من الإشكال، والحمد الله.
الرابع من الأسباب: الاختلاف فى الحقيقة والمجاز:
(أ) كما فى قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا الآية ٥١ الأعراف، وقوله سبحانه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ الآية ٦٧ من سورة التوبة، وقوله- جل شأنه: وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى الآية ١٢٦ من سورة طه، وقوله تبارك اسمه:
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ الآية ٣٤ من سورة الجاثية. فإنه لا يتعارض مع قوله عز جاهه:
لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى الآية ٥٢ من سورة طه، وقوله تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا الآية ٦٤ من سورة مريم. لأن معنى:
«فاليوم ننساهم» ونحوه: نتركهم فى العذاب محرومين من كل خير.
(ب) ومثله قوله تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ الآية: ٢ من سورة الحج.
أى: سكارى من الأهوال مجازا لا من الشراب حقيقة.
الخامس من الأسباب: أن يأتى الكلام محتملا لوجهين فيحمل كل وجه على اعتبار يناسبه ولا يتناقض مع غيره:
(أ) كقوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ الآية ٢٢ من سورة ق، مع قوله تعالى:
خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الآية ٤٥ من سورة الشورى.
فيحمل البصر فى الآية على العلم لا على النظر بالعين، ويدل على ذلك قوله فى الآية:
فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فبذلك التأويل يزول الإشكال.
(ب) ومثله قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد: ٢٨، مع قوله- عز وجل:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الأنفال: ٢.
فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة، وجوابه أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون عند