للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكره المنافقون فى شأنها، وما رموها به من حديث الإفك وإشاعة ذلك بين الناس، وأنها لما عرفت الأمر بعد فترة بكت بكاء شديدا، حتى ظن أبواها أن البكاء يفلق كبدها ... إلى أن قالت: «فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندى منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه فى شأنى» وذكرت ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما أجابت به، حتى قالت:

«ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى النوم رؤيا يبرؤنى الله بها، قالت: فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل عليه ... » إلى أن قالت: «وأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ العشر الآيات كلها».

فقول أم المؤمنين رضى الله عنها: (وقد لبث شهرا لا يوحى إليه فى شأنى) صريح فى تراخى نزول الآيات عن حدوث السبب، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: «حكى السهيلى أن بعض المفسرين ذكر أن المدة كانت سبعة وثلاثين يوما، فألغى الكسر فى هذه الرواية.

وعن ابن حزم: أن المدة كانت خمسين يوما أو يزيد، ويجمع بأنها المدة التى كانت بين قدومهم المدينة ونزول القرآن فى قصة الإفك، وأما التقييد بالشهر: فهو المدة التى أولها إتيان عائشة إلى بيت أبويها حين بلغها الخبر» (٨٤).

ولعل تأخر النزول فى هذه الحادثة- والله أعلم- كان نوعا من الابتلاء لمجتمع المؤمنين، ليمحّص إيمان المؤمنين، ويظهر نفاق الذين فى قلوبهم مرض، وليتم إعداد المؤمنين لتلقى الدرس الذى نزلت به الآيات فى شأن الأعراض وحرمتها، والتشنيع على من ينتهك تلك الحرمة وبيان قبح فعله، وعظيم عقوبته، وذلك يتمثل فى قول الله تعالى ضمن الآيات النازلة: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

كما أن فيه تكريما لأم المؤمنين رضى الله عنها، بنزول براءتها فى القرآن الكريم، مع زيادة أجرها ومثوبتها لما عانته من الأذى فى هذه الفترة العصيبة.

أما نزول آيات الظهار فور وقوع الحدث:

فلعل من حكمته- والله تعالى أعلم- تلبية دواعى التشريع فى هذا الأمر الطارئ، الذى بدت فيه حاجة المرأة الماسة، وظروفها المتمثلة فى: كبر سنها، وضعف ذريتها، وقد تبدى ذلك كله فى مراجعتها لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كما تذكر بعض الروايات، وكما جاء فى نص الآية الكريمة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما الآيات.


(٨٤) فتح البارى: (٨/ ٤٧٥).