للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسيرات غريبة «أغرب منها ما قاله قتادة من زيادة الخلق الملاحة فى العينين والحسن فى الأنف والحلاوة فى الفم (١٩).

ومن المحدثين من المفسرين تنبه الشهيد الأستاذ سيد قطب إلى أن الأيدى هى القوة، والقوة أوضح ما ينبئ عنها بناء السماء الهائل التناسق بأى مدلول من مدلولات كلمة السماء سواء أكانت تعنى مدارات النجوم والكواكب أم تعنى مجموعة من المجموعات النجمية التى يطلق عليها اسم المجرة، وتحوى مئات الملايين من النجوم (٢٠).

ولو أن المرحوم سيد قطب نسئ له فى أجله الذى مضى على انقضائه نحو سبع وثلاثين سنة، واطلع على الاكتشافات العلمية الحديثة لأكمل الصورة كاملة لمداومة اتساع الكون بحول من الله خالقه سبحانه وتعالى.

وفى حقيقة اتساع الخلق والزيادة فيه، يستفتح المولى- سبحانه وتعالى- سورة فاطر بقوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

إن دليل الحسم على ما تعبر عنه الآية هنا هو ذلك الشطر من الآية بقوله تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- ومعنى الخلق هنا هو عملية الخلق.

والأمر العجيب: إن عددا من المفسرين لم يوفق إلى مدلول الآية ومن ثم كان الخطأ الذى وقعوا فيه، فابن الجوزى على سبيل المثال يرى أن زيادة الخلق مقصود به الملائكة، والفهم نفسه يقول به القرطبى الذى يفسر يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ أى: يزيد فى خلق الملائكة كيف يشاء. وغير ذلك كثير من سوء الفهم الذى أدى إلى خطأ التفسير، وإن الذى يقرأ الآية بعمق وإمعان حتى من المحدثين- وإن كان بعض مشهورى المفسرين المحدثين وقعوا فى الخطأ نفسه- ينتهى إلى الفهم الذى هو أقرب إلى الصواب، ومرة أخرى نعرض لنص الآية وهى قوله تعالى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ فقصر المفسرون الزيادة فى الخلق على الملائكة دون السموات والأرض اللذين تتلاءم زيادة الخلق فيهما أكثر من ملاءمتها لزيادة الملائكة.

ومن ثم تكون جملة يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ الأقرب إلى الصواب الذى يعنى اتساع الكون منه إلى قصر زيادة الخلق على الملائكة، والسموات بالذات هى ما نراه أرجح قصدا لانسجامها مع بنية الآية، ولقول الله عز وجل فى سورة النازعات: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ


(١٩) آراء بعض المفسرين التى أوردها صاحب صفوة التفاسير المجلد الثانى صفحة ٥٦٤، ٥٦٦.
(٢٠) فى ظلال القرآن المجلد السادس صفحة ٣٣٨٥.