للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحوار الذى أجراه المولى مع ملائكته على النحو الذى ذكرنا فقال جل ثناؤه: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣).

وإذا كانت الآيات السابقة قد اقتصر الخبر فيها على نزول آدم إلى الأرض واستقراره وزوجته فيها إلى حين، فإن الآيات الأخرى من الكتاب العزيز قد أوضحت أن الله- سبحانه- قد خلق البشر من الأرض، ثم يعيدهم إليها بعد الموت، ثم يخرجهم منها مرة أخرى يوم النشور، جاء ذلك فى الحوار الذى جرى بين موسى وهارون من ناحية وفرعون من ناحية أخرى فى قوله عز وجل:

قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٤).

ذلك خبر نزول آدم وزوجته إلى الأرض، ومن وجود البشر جميعا فيها: مولدا ومستقرا وبعثا ونشورا، وإذا كان بعض البشر يرون فى خروج آدم من الجنة وإنزاله إلى الأرض حرمانا لهم من البقاء فى الجنة التى أخرج آدم منها وشرا أصابهم، فإنهم بذلك يكونون قد ارتكبوا خطأ وإثما كبيرا، لأن تلك إرادة الله والإرادة الإلهية لا يصدر عنها إلا ما فيه صالح البشرية، وصالح البشرية يقتضى- وقد وهبهم الله العقل وأرسل إليهم النبيين والمرسلين- أن يعملوا بتعاليمه التى حملها إليهم المرسلون،

فمن آمن فقد استحق الجنة ومن لم يؤمن فحسابه عند ربه، وربنا لا يظلم مثقال ذرة مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥).

أما وقد جعل الله الأرض سكنا ومستقرا لعباده من الجن والإنس فقد جرت مشيئته بتحصينها وكمال السيطرة عليها وعلى ساكنيها، فلا يستطيعون العبث بها أو النفاذ منها أو الانعتاق من بقائهم بين ظهرانيها إلا بسلطان هو باعثه ومسيطر عليه، جاء ذلك فى صيغة التحدى من القول والحسم فى الخطاب، حيث يقول جل شأنه: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦).


(٣) سورة البقرة: الآية ٣٦.
(٤) سورة طه: الآيات ٤٩ - ٥٥.
(٥) سورة فصلت: الآية ٤٦.
(٦) سورة الرحمن: الآيات ٣٣ - ٣٦.