(حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى يُعَادِيَهَا فِي نَفْسِهِ عِنْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ الْمَهْرِ لِثِقَلِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ عِنْدَ مُلَاحَظَةِ قَدْرِهِ وَتَفَكُّرِهِ فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ قَوْلُهُ: (كُلِّفَتْ) مِنْ كُلِّفَ بِكَسْرِ اللَّامِ إِذَا تَعَمَّدَهُ قَوْلُهُ: (عَلَقَ الْقِرْبَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ حَبْلٌ تُعَلَّقُ بِهِ أَيْ تَحَمَّلْتُ لِأَجْلِكَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى تَعَلُّقَ الْقِرْبَةِ وَيُرْوَى عَرَقَ الْقِرْبَةِ بِالرَّاءِ أَيْ تَحَمَّلْتُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى عَرِقْتُ كَعَرَقِ الْقِرْبَةِ وَهُوَ سَيَلَانُ مَائِهَا وَقِيلَ أَرَادَ بِعَرَقِ الْقِرْبَةِ عَرَقَ حَامِلِهَا وَقِيلَ أَرَادَ تَحَمَّلْتُ عَرَقَ الْقِرْبَةِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَحَمَّلَ الْأَمْرَ الشَّدِيدَ الشَّبِيهَ بِهَا وَفِي الصِّحَاحِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ لَقِيتُ مِنْ فُلَانٍ عَرَقَ الْقِرْبَةِ وَمَعْنَاهُ أَشَدَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا أَصْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْعَرَقُ إِنَّمَا هُوَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْقِرْبَةِ قَالَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقِرْبَةَ تَحْمِلُهَا الْإِمَاءُ الزَّوَافِرُ وَمَنْ لَا مُعِينَ لَهُ وَرُبَّمَا افْتَقَرَ الرَّجُلُ الْكَرِيمُ وَاحْتَاجَ إِلَى حَمْلِهَا بِنَفْسِهِ فَيَعْرَقُ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَيَاءِ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ تَحَمَّلْتُ لَكَ عَرَقَ الْقِرْبَةِ وَقَالَ فِي عَلَقِ الْقِرْبَةِ لُغَةٌ فِي عَرَقِ الْقِرْبَةِ قَوْلُهُ: (مَا أَدْرِي) لِغَرَابَتِهِ وَفِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ رَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيِرِ أَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ إِكْثَارِ الْمَهْرِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ اعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَهَيْتَ النَّاسَ أَنْ يَزِيدُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ فَقَالَتْ أَمَا سَمِعْتَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ وَأَيُّ ذَلِكَ فَقَالَتْ أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: ٢٠] قَالَ فَقَالَ اللَّهُمَّ غَفْرًا كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ ثُمَّ رَجَعَ فَرَكِبَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ إِنِّي نَهَيْتُ أَنْ تَزِيدُوا فِي الْمَهْرِ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا أَحَبَّ أَوْ فَمَنْ طَابَتْ نَفْسُهُ فَلْيَفْعَلْ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَوْ قَوْلُكَ قَالَ بَلْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا ذَاكَ قَالَتْ نَهَيْتَ الرِّجَالَ عَنِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: ٢٠] الْآيَةَ فَقَالَ عُمَرُ كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ فَقَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ يَا عُمَرُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: ٢٠] إِلَخْ فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute