وَحُرْمَتُهُ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبٍ وَلَا يَتِمُّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: الْأَوْلَى أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الرُّقْيَةِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَحَدِيثِ «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» وَأَيْضًا فِي سَنَدِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ لَا نَعْرِفُهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ لِلذَّهَبِيِّ اهـ.
قُلْتُ: دَعْوَى النَّسْخِ يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِ التَّارِيخِ، وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَخَذَ بِظَاهِرِهِ قَوْمٌ وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: هُوَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» . وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ مَعْرُوفُونَ إِلَّا الْأَسْوَدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ فَإِنَّا لَا نَحْفَظُ عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى عُبَادَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْهُ، انْتَهَى.
الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ تَقْدِيمُ الْمُحَرِّمِ، وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي، لَكِنَّ كَلَامَ أَبِي دَاوُدَ يُشِيرُ إِلَى دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ فِي الطِّبِّ، وَحَدِيثَ عُبَادَةَ فِي التَّعْلِيمِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْأَجْرِ جَائِزًا فِي الطِّبِّ دُونَ التَّعْلِيمِ، وَأَجَابَ آخَرُونَ بِأَنَّ عُبَادَةَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالتَّعْلِيمِ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَيِّعَ أَجْرَهُ وَيُبْطِلَ حِسْبَتَهُ بِمَا يَأْخُذُهُ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ نَقْصِدَ بِهِ الْأُجْرَةَ ابْتِدَاءً وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذَا تَهْدِيدٌ عَلَى فَوَاتِ الْعَزِيمَةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ، كَذَا قَالُوا. قُلْتُ: لَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يُوَافِقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، أَوِ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ الْخِلَافَ فِي الْأُجْرَةِ، وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي جَوَازِهَا، فَالْحَدِيثُ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي الْأُجْرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute