قَوْلُهُ: (رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) أَيْ: صَاعًا مِمَّا هُوَ غَالِبُ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَأَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ غَالِبُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الطَّارِئِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ تَقْوِيمُ مَالِ الْبَائِعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُعْرَفُ غَيْرُ مُمْكِنٍ تَقْوِيمُهُ فَحَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّعَامَ بَدَلُ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ حَالَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ، وَقَدْ أَخَذَ الْجُمْهُورُ بِالْحَدِيثِ، وَمَنْ لَا يَأْخُذُ بِهِ يَعْتَذِرُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ هُوَ الضَّمَانُ بِالْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ أَوِ الثَّمَنِ، وَهَذَا الضَّمَانُ لَيْسَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُثْبِتُهُ بِحَدِيثِ الْآحَادِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا، وَقَالُوا: الْحَدِيثُ مِنْ رُوَاتِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ لَهُ نَظَائِرَ كَالدِّيَةِ فَإِنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقَتِيلِ وَالْغُرَّةِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ، وَكُلُّ ذَلِكَ شُرِعَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِوَجْهٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِآخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى. وَمِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَالْمَوْقُوفُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِتَصْرِيحِهِمْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَقْيِسَةِ، وَالْمَوْقُوفُ الْمُخَالِفُ مَرْفُوعٌ حُكْمًا، وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ أَجِلَّاءِ الْفُقَهَاءِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ فَقِيهٍ ضَعِيفٌ أَيْضًا، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْإِصَابَةِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي وَمَنْ يَتَتَبَّعْ كُتُبَ الْحَدِيثِ يَجِدْهُ حَقًّا بِلَا رَيْبٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute