فَالْأَخْذُ وَالْحِفْظُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْوَطُ (الْحِذَاءُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، أَيْ: خِفَافُهَا فَتَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ (وَالسِّقَاءُ) بِكَسْرِ السِّينِ أُرِيدَ بِهِ الْجَوْفُ، أَيْ: حَيْثُ وَرَدَتِ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكْفِيهَا حَتَّى تَرِدَ مَاءً آخَرَ (حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) غَايَةَ الْمَحْذُوفِ، أَيْ: فَدَعْهَا تَأْكُلْ وَتَشْرَبْ حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا (لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ) أَيْ: إِنْ أَخَذْتَ، أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُكَ (أَوْ لِلذِّئْبِ) أَيْ: إِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ أَحَدٌ، أَيْ: فَأَخْذُهَا أَحَبُّ قَوْلُهُ: (عَنِ اللُّقَطَةِ) هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ أَشْهَرُ مِنْ سُكُونِ الْقَافِ أُرِيدَ بِهِ مَا كَانَ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مَثَلًا (عِفَاصُهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْفَاءِ (وَوِكَاؤُهَا) بِالْكَسْرِ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْوِعَاءُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَقَدُّمُ الْمَعْرِفَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمَعْرِفَةُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً حِينَ يَلْتَقِطُ لِيَعْلَمَ بِهَا صِدْقَ وَاصِفِهَا، فَإِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَأَرَادَ تَمَلُّكَهَا عَرَّفَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً مَعْرِفَةً وَافِيَةً لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا إِنْ جَاءَ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا وَلَا يَنْسَى عَلَامَاتِهَا بِطُولِ الزَّمَانِ قَوْلُهُ: (فَإِنِ اعْتُرِفَتْ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ، أَيْ: عَرَفَهَا صَاحِبُهَا بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيَمْلِكْهَا، وَإِنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ الدَّفْعِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ فَفِي الْحَذْفِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِإِيجَابِ الدَّفْعِ عِنْدَ بَيَانِ الْعَلَامَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ عَلَى الْوَصْفِ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ فِي الْوُجُوبِ إِلَى الْبَيِّنَةِ لِعُمُومِ حَدِيثِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالدَّفْعِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبَاحَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَأَشَارَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ إِلَى تَرْجِيحِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَقَالَ: يَخُصُّ الْمُلْتَقِطَ مِنْ عُمُومِ الْبَيِّنَةِ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ بَيِّنَةً لَا الشُّهُودُ فَقَطْ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الْبَيِّنَةَ فِي اللُّقَطَةِ الْوَصْفَ فَإِذَا وَصَفَ فَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَيَجِبُ قَبُولُهَا وَأَيُّ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حَدِيثَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي إِنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ، وَوُجُوبُ الدَّفْعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ إِذَا عَلِمَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ بِلَا شُهُودٍ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute