مِنَ " النَّاسِ " مُخَصِّصٌ لَهُ وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ بِالْمُبْتَدَأِ وَهُوَ مُخِلٌّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ وَرَدَّهُ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَحُجَّ الْمُسْتَطِيعُ، فَيَلْزَمُ إِثْمُ الْجَمِيعِ إِذَا تَخَلَّفَ الْمُسْتَطِيعُ وَتَعَقَّبَهُ الْبَدْرُ فِي الْمَصَابِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعْرِيفَ النَّاسِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ هُمُ الْمُسْتَطِيعُونَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ " حَجُّ الْبَيْتِ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ " وَالْمُبْتَدَأُ وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ رُتْبَةً فَالتَّقْدِيرُ: حَجُّ الْمُسْتَطِيعِينَ الْبَيْتَ ثَابِتٌ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ، أَيْ: عَلَى أُولَئِكَ الْمُسْتَطِيعِينَ، بَلْ جَعْلُ التَّعْرِيفِ لِلْعَهْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَعْلِهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ عَامٍ) أَيْ: مَفْرُوضٌ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مُكَلَّفٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ هُوَ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً قَوْلُهُ: (لَوَجَبَتْ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ افْتِرَاضَ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ كَانَ مَعْرُوضًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ نَعَمْ لَحَصَلَ، وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِطْلَاقِ وَيُفَوِّضَ أَمْرَ التَّقْيِيدِ إِلَى الَّذِي فَوَّضَ إِلَيْهِ الْبَيَانَ، فَهُوَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقَيِّدَ بِكُلِّ عَامٍ يُقَيِّدُهُ بِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ فِي النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَالتَّفْتِيشِ عَنْ قُيُودِهَا، بَلْ يَنْبَغِي إِطْلَاقُهَا حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا قَيْدٌ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ مُوَافِقًا لِهَذِهِ الْكَرَاهَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute