التَّوْبَةِ عَنْهَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ) قِيلَ: كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ شَارِبُ الْخَمْرِ لَا يَخْلُو أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا، أَوْ يَمُوتَ بِلَا تَوْبَةٍ فَإِنْ تَابَ فَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَالَّذِي عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ فَإِنْ عَاقَبَهُ لَمْ يَكُنْ مُخَلَّدًا فِي النَّارِ أَبَدًا، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بِمَا مَعَهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَمِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ وَعِنْدِي الْأَمْرُ كَذَلِكَ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا كَمَا يُقَالُ مَنِ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ وَمَحَلُّ الْإِشْكَالِ هُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت: ٣١] وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَصْرِفُ شَهْوَتَهُ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ تَفَاوُتُ الْمَرَاتِبِ فِي الْجَنَّةِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت: ٣١] إِلَّا بِهَذَا وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِجَوَازِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ابْتِدَاءً فَيَدْخُلُ مَعَ السَّابِقَيْنِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إِذَا احْتِيجَ إِلَى التَّأْوِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّخُولَ مَعَ السَّابِقِينَ، ثُمَّ قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَعِنْدِي فِيهِ تَأْوِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى إِدْمَانَ الْخَمْرِ. قُلْتُ: الْوَجْهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَ شَهْوَتَهُ مِنْهَا فَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute