فَإِنَّ ذَلِكَ مُكَفِّرٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَيْدُ التَّعَمُّدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ بِدُونِ التَّعَمُّدِ أَيْضًا كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَقَالُوا: هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ عَمْدًا كَانْ أَوْ سَهْوًا، لَا كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّ التَّعَمُّدَ شَرْطٌ فِي تَحَقُّقِ الْكَذِبِ قَوْلُهُ: (فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أَيْ فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلَةً مِنْهَا ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهُ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَقِيلَ: خَبَرٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ وَفِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ إِشَارَةً فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ
قَالَ النَّوَوِي: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ وَيَجُوزُ أَنَّ الْكَرِيمَ يَعْفُو عَنْهُ ثُمَّ إِنْ جُوزِيَ فَلَا يُخَلَّدُ فِيهَا وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِيرَةٌ لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُرْتَكِبُهُ وَكَانَ وَالِدُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ بِكُفْرِهِ لَكِنْ رَدَّهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ هَفْوَةٌ عَظِيمَةٌ
وَهَلْ إِذَا تَابَ مَنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَرِوَايَتُهُ ذَلِكَ فِيهِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الْقَبُولُ وَكَيْفَ وَالْكَافِرُ إِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَالْكَاذِبُ مُتَعَمِّدًا دُونَ ذَلِكَ ثُمَّ مَعْنَى كَذَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَسَبَ إِلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ مَا لَيْسَ لَهُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ كَذَبَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ كَذَبَ لَهُ، فَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَذِبَ لَهُ جَائِزٌ فَيَجُوزُ وَضْعُ الْحَدِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَذِبٌ لَهُ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ نَشْرِ دِينِهِ؛ جَهْلٌ بِاللُّغَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَرْدُودًا هُنَا بِشَهَادَةِ جَمْعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ إِذَا جُمِعَتْ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ فِي شَأْنِهِ مُطْلَقًا مِنْ أَشَدِّ الذُّنُوبِ وَأَقْبَحِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute