وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ الْمُشْتَبِهَاتُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَلَالَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ بَيِّنٌ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَنَاوُلُهُ وَكَذَلِكَ الْحَرَامُ بِأَنَّهُ يَضُرُّ تَنَاوُلُهُ وَيَخْرُجُ عَنِ الْوَرَعِ وَيَقْرُبُ إِلَى تَنَاوُلِ الْحَرَامِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» اعْتِذَارٌ لِتَرْكِ ذِكْرِ حُكْمِهِمَا (مُشْتَبِهَاتٌ) سَبَبُ تَجَاذُبِ الْأُصُولِ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَصْلُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيهَا (اسْتَبْرَأَ) بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْبَرَاءَةِ، أَيْ: طَلَبَ لِدِينِهِ الْبَرَاءَةَ مِنَ النُّقْصَانِ وَلِعِرْضِهِ مِنَ الْعَيْبِ وَالطَّعْنِ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) أَيْ: كَادَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ (حَوْلَ الْحِمَى) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْقَصْرِ أَرْضٌ يَحْمِيهَا الْمُلُوكُ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنِ الدُّخُولِ فِيهَا فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْ وَقَعَ فَلَهُ الْعُقُوبَةُ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا عَنِ الْوُقُوعِ فِيهِ، وَالْمَحَارِمُ كَذَلِكَ يُعَاقِبُ اللَّهُ عَلَى ارْتِكَابِهَا، فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُهَا بِالْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ (يُوشِكُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ، أَيْ: يَقْرَبُ لِأَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ التَّسَاهُلُ وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ أُخْرَى أَغْلَظَ مِنْهَا وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ قَوْلُهُ: (مُضْغَةً) أَيْ: قَدْرَ مَا يُمْضَغُ (صَلَحَتْ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَلَيْسَ فِي فَسَدَتْ إِلَّا الْفَتْحُ وَعُبِّرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ (أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّيَّةِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ الْأَعْمَالِ وَفَسَادُهَا، وَأَيْضًا هُوَ الْأَمِيرُ وَالْمَلِكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَامِّ الْجَسَدِ وَالرَّعِيَّةُ تَابِعَةٌ لِلْمَلِكِ، النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute