الِاسْتِحْبَابِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ «وَلَا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ» حَمَلُوهُ عَلَى إِفَادَةِ عَدَمِ التَّوْكِيدِ لِاسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْيَدِ بَعْدَ أَكْلِ لَحْمِ الْغَنَمِ وَذَلِكَ لِغُرَّةِ رَائِحَةِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَكَانَ الدَّاعِيَ لَهُمْ إِلَى التَّأْوِيلِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ نَسْخِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَإِلَّا وَجَبَ الْوُضُوءُ بَعْدَ لَحْمِ الْغَنَمِ أَيْضًا وَلَمْ يُعْلَمِ اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مِنْ بَعْضِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ بَعْدَ أَنْ نُسِخَ وُجُوبُهُ حَتَّى يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ» وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ اهـ قُلْتُ بَحْثُهُ لَا يَرُدُّ عَلَى عُلَمَائِنَا الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِتَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي عُمُومِ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ إِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْوُضُوءِ يَكُونُ رَفْعًا لِلْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ أَيْ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ كُلِّ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوُضُوءَ مِنْ بَعْضِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالتَّرْكِ يَكُونُ سَلْبًا كُلِّيًّا أَيْ تَرْكُ مِنْ كُلِّ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ الْوُضُوءَ وَاللَّفْظُ مُحْتَمَلٌ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute