معانيها (لا غفلة عنها) بصرف الخاطر إلى غيرها من الأمور الدنيوية والأحوال الدنية بل لاستغراق وقع له فيها مما لا ينافيها (فهذا) أي القول بهذا المبنى (إن تحقّق) بصيغة المفعول أو الفاعل أي ثبت (عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ ما قصرت) أي هي (وما نسيت) أي أنا (خلف) بضم أي اخلاف (في قول) لعصمته عليه الصلاة والسلام من الخلف في الكلام والله تعالى أعلم بحقيقة المرام (وعندي أنّ قوله صلى الله تعالى عليه وسلم مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ بِمَعْنَى التَّرْكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَجْهَيِ النِّسْيَانِ أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُسَلِّمْ مِنْ رَكْعَتَيْنِ تَارِكًا لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَكِنِّي نَسِيتُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله تعالى عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأسنّ) وهذا واضح وأثر التكرار عليه لائح. (وأمّا قصّة كلمات إبراهيم المذكورة) أي في الحديث كما في نسخة (أنّها كذباته) جمع كذبة بفتح فكسر في المفرد والجمع خلافا للتلمساني حيث قال بفتح الذال جمع كذبة بسكونها (الثّلاث المنصوصة) أي الصريحة (في القرآن) ففيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات (منها اثنتان قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩] ) في الصافات فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣] ) في سورة الأنبياء قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (وقوله للملك عن زوجته) أي سارة حين أخذها وسأله عنها فقال (إنّها أختي) أي في الإسلام خشية أن يقتلها لو قال إنها زوجتي ولقد نجاها الله منه بما اعتراه من الخوف وأخدمها هاجر أم إسماعيل أبي العرب جد نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أحد الذبيحين على ما ورد قال الحلبي فإن قيل ما الحكمة في عدوله عن قوله هذه زوجتي إلى هذه أختي وظاهر الحال أنه لو قال هذه زوجتي ربما كان الملك لا يتطرق إلى امرأة زوجها معها إن كان يعمل بالشرع ولكنه صار كما وصف في الحديث فما يبالي أكانت زوجة أم أختا بخلاف ما إذا قال هذه اختي ربما كان يقول الملك زوجنيها ويكون عدوله عن امرأتي إلى أختي أدعى لأخذ الملك لها فالجواب ما قاله بعض مشايخي فيما قرأته عليه عن ابن الجوزي أنه وقع له أن القوم كانوا على دين المجوس وفي دينهم أن الأخت إذا كانت مزوجة كان أخوها الذي هو زوجها أحق بها من غيره وكان إبراهيم عليه السلام أراد أن يستعصم من الجبار بذكر الشرع الذي يستعمله فإذا الجبار يراعي دينه وقد اعترض على هذا الجواب بأن الذي جاء بمذهب المجوس زرادشت وهو متأخر عن إبراهيم عليه السلام وأجيب بأن لمذهبهم أصلا قديما ادعاه زرادشت وزاد عليه خرافات أخر انتهى وقيل كان من عادة ذلك الجبار أن لا يتعرض إلا لذات الأزواج ولذلك قال الخليل لها أن يعلم أنك أمرأتي يغلبني عليك وحكى أن الملك كان بمصر وأراد إبراهيم أن يجتاز منها هو ومن معه من المؤمنين وكانوا ثلاثمائة وعشرين رجلا وجمع بينهما حناطه الذي يبيع طعامه وهو الذي وشى بسارة وحملها إلى الملك فأهوى إليها بيده مرارا فلم يستطع وإبراهيم ينظر