إليهما من خارج القصر بعد أن أمر الملك بإخراجه ومثل الله تعالى لإبراهيم القصر كالقارورة حتى أنه ينظر من خارجه كل ما كان في داخله (فاعلم أكرمك الله أنّ هذه) أي كلمات إبراهيم عليه الصلاة والسلام (كلّها خارجة عن الكذب) بفتح فكسر ويجوز كسر أوله وسكون ثانيه (لا في القصد ولا في غيره) أي من السهو والخطأ والنسيان (وهي) أي الكلمات الثلاث (دَاخِلَةٌ فِي بَابِ الْمَعَارِيضِ الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَةٌ عن الكذب) أي سعة وفسحة عنه ومنه قول أم سلمة لعائشة قد جمع ذيلك فلا تندحيه أي لا توسعيه وتنشريه أرادت قوله تعالى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وهذا مأخوذ من حديث أبي عبيد وغيره عن عمران بن حصين يرفعه أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وهو جمع معراض من التعريض ضد التصريح من القول فهي في الحقيقة صدق عرض بها ليتوصل إلى غرضه من مكايدة قومه والزامهم الحجة في ذات الله تعالى ومرضاة ربه فمعاريض الكلام أن يتكلم الرجل بكلمة يظهر من نفسه شيئا ومرداه شيء آخر وقد كان السلف يورون عند الحاجة والضرورة فقد روي عن إبراهيم النخعي أنه كان إذا طلبه في الدار من يكرهه قال للجارية قولي له اطلبه في المسجد وكان الشعبي إذا طلبه أحد يكرهه يخط دائرة ويقول للجارية ضعي الأصبع فيها وقولي ليس ههنا (أَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ [الصَّافَّاتِ: ٨٩] فَقَالَ الْحَسَنُ) أي البصري (وغيره معناه سأسقم) من باب فرح وكرم والأول أفصح (أي أنّ كلّ مخلوق معرّض لذلك) بتشديد الراء المفتوحة أي معرض للسقم ومقابل له (فاعتذر لقومه من الخروج) أي تفاديا منه (معهم إلى عيدهم) أي محل اجتماعهم (بهذا) التعريض روي أنه أرسل إليه ملكهم أن غدا عيدنا فاخرج معنا وقد أراد التخلف عنهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم ما طلع قط إلا اسقم أي مشارف للسقم وهو الطاعون لأنه كان أغلب اسقامهم وكانوا يرهبون العدوى فنفروا عنه وتخلصوا منه (وَقِيلَ بَلْ سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنَ الموت) أي عرض لهم بأن من كان هدفا للمنايا وغرضا للبلايا فهو سقيم بما قدر عليه من الموت كما روي أن رجلا مات فجأة فقيل مات وهو صحيح فقال أعرابي أصحيح وفي عنقه الموت (وقيل سقيم القلب بما أشاهده) ويروى بما شاهدته (من كفركم) بالرب الأحد (وعنادكم) بالميل عن طريق الحق والأدب (وقيل بل) قال سقيم لأنه (كَانَتِ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ مَعْلُومٍ) له أولهم (فلمّا رآه اعتذر بعادته) التي تعتريه عند طلوعه وتغيره في حالته (وكلّ هذا) أي ما ذكر من الأجوبة (ليس فيه كذب) أي صريح (بل خبر صحيح صدق) أي هو قول حق (وقيل بل عرّض) بتشديد الراء وروي في قوله (بسقم حجّته عليهم) أي بعدم نفع موعظته لديهم (وَضَعْفِ مَا أَرَادَ بَيَانَهُ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ النّجوم التي كانوا يشتغلون بها) أي تعظيما لها إذ عمدة الناظر فيها التخمين وهو لا يجدي نفعا في مقام اليقين قيل كان القوم نجامين أي متعاطين لعلوم النجوم فأوهمهم أنه استدل بإمارة في علم النجوم على أنه سقيم وعرض بسقم حجته وضعف ما أراد من بيان بينته (وأنّه) أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان (أثناء نظره في ذلك) إليهم