الْآخِرَةَ وببيان الإشارة فكأنه سبحانه وتعالى يقول إن من يريد الله فهو ليس منكم بل منا في دنياه وعقباه ومستغرق فينافي مقام الإحسان المعبر عنه بأن تعبد الله تعالى كأنك تراه مشتغلا بمولاه عز وجل معرضا عما سواه فانيا عن غيرنا باقيا بنا لا ينظر إلى دنيا ولا إلى آخرة وهذا معنى قول بعضهم الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على اهل الدنيا وهما حرامان على أهل الله وهذا محمل قوله عليه الصلاة والسلام أكثر أهل الجنة البله وعليون لأولي الألباب والله تعالى أعلم بالصواب، (بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بالسّلب) بفتحتين وهو ما على القتيل من السلاح والثوب (وجمع الغنائم عن القتال) أي معرضين عنه في ذلك الحال مخالفين لما كان عليه أرباب الكمال من عدم التفاتهم إلى جمع المال (حتّى خشي عمر أن يعطف) بكسر الطاء أي يكر (عليهم العدوّ) ويغلبهم (ثمّ قال تعالى: لَوْلا كِتابٌ) أي مكتوب في اللوح المحفوظ أو حكم في القضاء الملحوظ (مِنَ اللَّهِ سَبَقَ [الأنفال: ٦٨] ) أي في القدر وتحقق الأمر بالأثر (واختلف) وفي نسخة فَاخْتَلَفَ (الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقِيلَ: مَعْنَاهَا لولا أنّه سبق منّي) أي في الأزل (أني) وفي نسخة أَنْ (لَا أُعِذِّبَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ النَّهْيِ لعذّبتكم؛ فهذا) تعليق بالفرض والتقدير (ينفي) وفي نسخة فهذا كله ينفي (أن يكون أمر الأسرى معصية) أي في مقام التحقيق والتقرير؛ (وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ الْكِتَابُ السّابق) أي القديم أو المقدم رتبة على غيره من الكتاب اللاحق (فاستوجبتم به الصّفح) أي الاعراض والعفو عن اختياركم الاعراض (لعوقبتم على الغنائم) أي أخذها في جميع الأحوال أو قبل الفراغ من تكميل القتال فيكون تقدير الآية بحسب الإعراب لولا إيمان كتاب عظيم الشأن سبق لكم فيما مضى من الزمان لمسكم في المستقبل لأجل ما أخذتم من الغنائم الدنيوية عذاب عظيم مشتمل على الأهوال الأخروية؛ (ويزاد هذا القول تفسيرا وبيانا) أي تعبيرا وبرهانا (بأن يقال لولا) وفي نسخة لوما وفي أخرى لَوْلَا مَا (كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ وَكُنْتُمْ مِمَّنْ أحلّت لهم الغنائم) في مستقبل الزمان (لعوقبتم كما عوقب من تعدّى) أي تجاوز عن الحد في العصيان؛ (وقيل) أي معنى الآية (لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا) أي الغنائم (حَلَالٌ لَكُمْ لَعُوقِبْتُمْ؛ فَهَذَا كُلُّهُ يَنْفِي الذَّنْبَ والمعصية) من غير شك وشبهة (لأنّ من فعل ما أحلّ لم يعص) فيما فعله، (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [الأنفال: ٦٩] ) أي خالصا (وقيل بل كان عليه الصلاة والسلام قد خيّر في ذلك) أي بين القتل وأخذ الفداء وأنه عليه الصلاة والسلام كان من عادته أن يختار أيسر الأمرين ويستشير أصحابه في اختيار أحد الحكمين فشاور الشيخين ومال إلى رأي أفضلهما في الحال وأجملهما في المقال وكان أمر الله قدرا مقدورا في الآزال فحسن الأحوال وزان الآمال في المآل، (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ خَيِّرْ أَصْحَابَكَ في الأسارى إن شاؤوا القتل) أي قتل الكفار فيها (وإن شاؤوا الفداء) فيكون