للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عَلَى أَنْ يُقْتُلَ مِنْهُمْ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ) أي في السنة الآتية من غزوة أحد (مثلهم) أي في عددهم؛ (فقالوا) أي جمهورهم ومنهم الصديق (الفداء) بالرفع أي مختارنا أو بالنصب أي نختار الفداء (ويقتل منّا) عدتهم ونكون شهداء فقتل منهم يوم أحد سبعون عدد أسارى بدر قال بعض الفضلاء هذا الحديث مشكل جدا لمخالفته ما يدل عليه ظاهر التنزيل ولما صح من الأحاديث في أمر أسارى بدر أن أخذ الفداء كان رأيا رأوه فعوتبوا ولو كان هنالك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليهم وقد أنزل الله تعالى إليهم ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى إلى قوله عَذابٌ عَظِيمٌ وأجيب بأنه لا منافاة بين الحديث والآية وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختبار والامتحان ولله أن يمتحن عباده بما شاء ولعله سبحانه امتحن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه بين أمرين القتل والفداء وأنزل جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك هل هم يختارون ما فيه رضى الله تعالى من قتل الأعداء أو يؤثرون الأعراض العاجلة من قبول الداء فلما اختاروا الثانية عوتبوا على ذلك والله سبحانه وتعالى اعلم بما هنالك والأظهر في الجواب والله اعلم بالصواب أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام شاور أولا بعض أصحابه الكرام فاختاروا الفداء ووافقهم أيضا في ذلك المرام فعوتبوا في ذلك المقام ثم خيروا بين أحد الأمرين من البلاء وهو قتل الاعتداء من الاحياء أو اختيار الفداء وكون سبعين منهم يصيرون شهداء فاختاروا ما جرى به القلم ومضى به القضاء، (وهذا دليل على صحّة ما قلنا) أي وقوة ما قدمناه (وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا مَا أُذِنَ لَهُمْ فيه لكن بعضهم مال إلى أضعف الوجهين) أي في نفس الأمر وإن كان هو أقواهما في رأيه (ممّا كان الأصلح غيره) أي عند غيره (من الإثخان) وهو تكثير القتل في العدو (والقتل) كالتفسير لما قبله (فعوتبوا على ذلك) أي اختيار الأضعف فيما هنالك حيث أخطأوا في الاجتهاد وأصاب بعضهم في هذا الباب حين وافق رأيه فصل الخطاب كعمر بن الخطاب (وبيّن لهم) بصيغة المفعول (ضعف اختيارهم) أي الأولين (وتصويب اختيار غيرهم) أي الآخرين (وكلّهم غير عصاة ولا مذنبين) لكونهم مجتهدين في أمر الدين (وإلى نحو هذا) التأويل (أشار الطّبريّ، وقوله عليه الصلاة والسلام) مبتدأ في الكلام (في هذه القضيّة) وفي نسخة في هذه القصة (لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا منه إلّا عمر) أي ومن تبعه في هذا الأمر المقرر (إشارة إلى هذا) هذا هو الخبر وفي نسخة أشار إلى هذا (من تصويب رأيه) أي رأي عمر (وَرَأْيِ مَنْ أَخَذَ بِمَأْخَذِهِ فِي إِعْزَازِ الدِّينِ وإظهار كلمته وإبادة عدوّه) أي افنائهم واهلاكهم من أصله وذلك لما ورد في حقه من دعاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم أعز الإسلام بعمر كما ورد في بعض الخبر (وأنّ هذه القضيّة لو استوجبت عذابا) أي بالفرض والتقدير (نجا منه عمر ومثله) أي ومن قال بمثل قوله (وعيّن عمر) في الخبر (لأنّه أوّل من أشار بقتلهم) وتبعه بعض الصحابة في الأثر (وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَدِّرْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عذابا) أي نازلا يتحقق (لِحِلِّهِ لَهُمْ فِيمَا سَبَقَ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ وَالْخَبَرُ بهذا) أي

<<  <  ج: ص:  >  >>