[طه: ١١٧] الآية) أي فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى أي فتعب أنت بالإصالة وزوجك بالتبعية؛ (وقيل نسي ذلك بما أظهر لهما) من النصيحة أي الشيطان على وجه الخديعة وحلفه في القضية (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا لأنه عهد إليه) بصيغة المجهول (فنسي) وفيه إشكال لأن الظاهر أن حروف أصول الإنسان كما يدل عليه قوله تعالى امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وقال في القاموس الإنس البشر كالإنسان والواحد إنسي جمعه أناسي وقرأ يحيى بن الحارث وأناسى كثيرا فهو مهموز الفاء وأما النسيان فمادته ناقصة يسمى معتل اللام فاختلفا مادة اللهم الا أن يقال أصل الإنسان انسيان فنقلت حركة الياء إلى ما قبلها بعد سلب حركته فحذفت تخفيفا لكثرة استعماله فصح ما يقال أول الناس أول الناسي والله اعلم (وقيل لم يقصد) أي آدم وحواء (المخالفة استحلالا لها) أي جعلها حلالا فإنه لا يصح عنهما إجماعا (ولكنّهما) باشرا مكرها لا على قصد مخالفتهما أمر ربهما بل بسبب أنهما (اغْتَرَّا بِحَلِفِ إِبْلِيسَ لَهُمَا إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: ٢١] توهّما إنّ أحدا لا يحلف بالله حانثا) أي كاذبا كذبا يوجب الحنث أي الاثم (وقد روي عذر آدم بمثل هذا) الاغترار (في بعض الآثار) ولا شك أن هذا نوع من الاعذار؛ (وقال ابن جبير) وهو سعيد من اجلاء التابعين (حلف بالله لهما) أي متكررا (حتّى غرّهما والمؤمن يخدع) وفي الحديث المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة (وقد قيل) يروى وقال أي ابن جبير (نسي ولم ينو المخالفة) وهذا ظاهر (فلذلك قال) أي سبحانه وتعالى (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٧] أَيْ قَصْدًا لِلْمُخَالَفَةِ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ العزم هنا الحزم) أي الاحتياط في الأمر (والصّبر) أي عن المخالفة بالتحمل على مرارة الموافقة (وقيل كان) أي آدم (عند أكله سكران) أي من حب المولى كما قيل في آية لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى من حب الدنيا أو من خمر الجنة (وَهَذَا فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ خمر الجنّة أنّها لا تسكر) وروي أنه لا يسكر لأن الخمر قد تذكر ويمكن أن يقال لعلها كانت تسكر ثم سلب الله تعالى سكرها ويناسبه أنها كانت حلالا في الدنيا أولا وصارت حراما آخرا والله سبحانه وتعالى وصف خمر الجنة بما يكون نعتها بعد القيامة ويريده أن الجنة لا يكون فيها التكليف آخرا وقد صح تكليفهما فيها أولا (وإذا) وفي نسخة فإذا (كان) أي أكله (نَاسِيًا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ ملبّسا) بتشديد الموحدة المفتوحة أي مخلطا (عليه غالطا) أي مخطئا (إِذِ الِاتِّفَاقُ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِي وَالسَّاهِي عَنْ حكم التّكليف) وفيه أن الله سبحانه وتعالى قد صرح بعصيانه فينبغي أن يقال النسيان أو الخطأ لم يكن معفوا حينئذ كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه الطبري عن ثوبان؛ (وقال الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ وَغَيْرُهُ إِنَّهُ يمكن أن يكون ذلك قبل النّبوّة) بل وهو الظاهر من سياق القضية لقوله تعالى قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً الآية (ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ [طه: ١٢١] )