أي بالنبوة (فَتابَ عَلَيْهِ) أي فوفقه للتوبة والثبات على الطاعة أو فرجع عليه بقبول التوبة ونزول الرحمة (وَهُدىً) به الأمة (فذكر) أي الله سبحانه وتعالى (أنّ الاجتباء والهدى) وفي نسخة الهداية (كانا) وفي نسخة كان أي كل واحد منهما (بعد العصيان) بدلالة الفاء التعقيبية (وقيل بل أكلها متأولا) لأن النهي عنه لم يكن مصرحا (وهو لا يعلم أنّها) أي الشجرة التي أكل منها هي (الشّجرة التي نهي عنها لأنّه تأوّل) أي حمل (نهي الله عن شجرة مخصوصة) أي عليها بعينها (لا على الجنس) الشامل لها ولغيرها فأكل مما عداها، (وَلِهَذَا قِيلَ إِنَّمَا كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التّحفّظ) وهو التحرز ورعاية الأحوط في باب الموافقة (لا من المخالفة) أي الصريحة في الواقعة، (وَقِيلَ تَأَوَّلَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا نهي تحريم) ولم يعلم أن الأصل في النهي أن يكون للتحريم والحاصل أنه حمل النهي على التنزيه الذي يوجب للمكلف نوعا من التخيير وإن كان الأول هو الانتهاء لا سيما بالنسبة إلى الأنبياء والأصفياء.
(فإن قيل فعلى كلّ حال) أي تقدير وتأويل (فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) فأثبت له العصيان والغواية (وقال فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى [طه: ١٢١] ) والتوبة لم تكن إلا عن المخالفة (وقوله في حديث الشّفاعة ويذكر ذنبه) حين يخاف ربه قائلا (وإنّي نهيت عن أكل الشّجرة فعصيت) اعترافا بذنبه وتواضعا لربه (فسيأتي الجواب عنه وعن أشباهه) مما وقع لغير آدم من إخوانه وأمثاله (مجملا) شاملا له ولغيره (آخر الفصل) يعني في الفصل الذي يلي آخر هذا الْفَصْلِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا قِصَّةُ يُونُسَ عليه الصلاة والسلام) وقد تقدم أنه بضم الياء والنون أشهر لغاته من تثليث النون مع الهمز وعدمه (فقد مضى الكلام على بعضها آنفا) بمد الهمزة وقصرها وقد قرئ بهما في السبعة أي قريبا (وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ نَصٌّ عَلَى ذَنْبٍ وإنّما فيها أبق) أي من مولاه أو من أمته لشكواه أو من تحمل أعباء النبوة ومقتضاه (وذهب مغاضبا) أي على أمته أو على نفسه وحالته من ضيق قلبه وقلة صبره (وقد تكلّمنا عليه) بحسب ما ظهر لنا من أمره، (وقيل إنّما نقم الله) بفتح القاف وبكسر أي أنكر (عليه) أي عاب أو كره (خروجه عن قومه) من غير إذن ربه (فارّا من نزول العذاب) أي لئلا يشاهد حلول العقاب وحصول الحجاب، (وَقِيلَ بَلْ لَمَّا وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ ثُمَّ عَفَا الله عنهم) يرفعه لإسلامهم بعد خروجه ووصول خبرهم إليه (قال والله لا ألقاهم بوجه كذّاب) أي صورة (أبدا) حياء من الخلق بمقتضى العادة البشرية وهو بالوصف أو الإضافة (وَقِيلَ بَلْ كَانُوا يَقْتُلُونَ مَنْ كَذَبَ فَخَافَ ذلك) وفيه إن إخباره بالعذاب كان مبنيا على اصرارهم بالكفر الموجب للعقاب وإذا لم يقتلوه وهو مشركون كيف يتصور أن يقصدوا قتله وهم مؤمنون، (وقيل ضعف عن حمل أعباء الرّسالة) أي أثقالها وشدائد أهوالها ومكابدة أحوالها (وقد تقدّم الكلام أنّه لم يكذبهم) بفتح أوله أي بل صدق لهم وقد شاهدوا صدق كلامه بآثار العذاب ومقدمة العقاب فآمنوا فارتفع الحجاب كما أخبر الله تعالى عنه بقوله فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ؛ (وهذا) أي الذي