للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنقصة ويلائمه قوله (والباري تعالى منزّه عن جميع المعايب قطعا) مما لا خلاف فيه إجماعا (وليس) أي الله سبحانه وتعالى (من جنس تلحق المعرّة بجنسه) في هذه العبارة مزلة لنزاهة ساحة عزته عن أن يكون من جنس تلحقه معرة أو لا تلحقه فلا يصح إطلاق النوعية والجنسية عليه كما لا يصح سؤال الماهية والكيفية بالنسبة إليه وفيه أن مقتضى قياس العقل أن من سب الله سبحانه وتعالى يكون أشد كفرا ممن سب النبي عليه الصلاة والسلام لوضوح قبحه عند جميع الإنام (وليس سبّه صلى الله تعالى عليه وسلم كالارتداد) أي المجرد (المقبول فيه التّوبة) ولو كانت ردته بسب الله سبحانه وعز شأنه وفيه بحث سيأتي بيانه (لأنّ الارتداد معنى ينفرد به المرتدّ) وهو كفره فقط (لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَقُبِلَتْ توبته) وفيه أن من سب الله تعالى يتعلق به حق خلقه من النبي وغيره ومن غضب بسب نفسه ولم يغضب بسب ربه فهو ليس بآدمي ومما يدلك على ذلك أنه كان عليه الصلاة والسلام لا يسامح عن المرتد فكيف من يسب الله سبحانه وتعالى وكان يساهل من يسبه عليه الصلاة والسلام ويطعن فيه من المنافقين وغيرهم فيتعين أن سب الله تعالى أقبح من سب غيره والحاصل أن سبه سبحانه وتعالى وسب أنبيائه كفر يستتاب وتقبل توبته عند الجمهور وأما سب سائر الآدميين فليس بكفر فيعزر بشروطه المعتبرة (ومن سبّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم تعلّق به) وفي نسخة فيه (حق لآدميّ) وهو نفسه عليه الصلاة والسلام أو أمته الكرام ولا شك أنه يتعلق به حقه تعالى أيضا بلا كلام وفي نسخة تعلق فيه حق للآدميين قال التلمساني فعلى الأولى معناه أن ما وجب من حق النبي عليه الصلاة والسلام فقد تعلق بالناس كافة فوجب عليهم القيام به وعلى الثاني بأن الأمر وجب له ونحن نأخذ به وليس حقه كحق غيره (فكان كالمرتدّ) بل هو مرتد ما لم يتب وإذا تاب لا معنى له أنه كالمرتد (يقتل) أي مسلما (حين ارتداده أو يقذف) أي محصنة (فإنّ توبته) وإن قبلت من حيث ارتداده (لا تسقط عنه حقّ القتل) وفي نسخة حد القتل (والقذف) وحاصله أنه تقبل توبته عن ارتداده بالنسبة إلى تعلق حق الله به ولا تقبل توبته بالنسبة إلى تعلق حق غيره به (وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ إِذَا قُبِلَتْ لَا تسقط ذنوبه) التي اقترفها زمن ردته (من زنى وسرقة وغيرها) كقتل وشرب خمر (ولم يقتل سابّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لكفره) أي بعد توبته وأما قول الدلجي لأنه لم يسبق له إسلام فلا وجه لعلته (لكن) يقتل (لمعنى يرجع إلى تعظيم حرمته) في مقام نبوته (وزوال المعرّة به) أي بقتله (وذلك) المعنى (لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ؛ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ) أي المصنف (يريد) القائل (وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ سَبَّهُ لَمْ يَكُنْ بِكَلِمَةٍ تقتضي الكفر) أي في نفس الأمر (ولكن بمعنى الإزراء والاستخفاف) وهذا غريب فإن الطعن في نبوته والقدح في نعته مناقض للإقرار برسالته وقبول دعوته وقد سبق أن سبه كفر بالإجماع وإنما قبول توبته في الدنيا محل النزاع (أو لأنّه) أي الشأن (بتوبته وإظهار إنابته) أي رجوعه (ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا) وهو ظاهر (والله أعلم بسريرته) وهذا حكم كل كافر أو مرتد يدخل في دين الإسلام فإنا نحكم عليه بظاهر ونكل

<<  <  ج: ص:  >  >>