للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث في المعنى نحو حديث مالك والشيخين وأبي داود والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى والعليا هي منفقة والسفلى هي سائلة قال أبو داود وقد اختلف عن أيوب عن نافع في هذا الحديث فقال عبد الوارث اليد العليا هي المتعففة وكذا قال واقد عن حماد بن زيد عن أيوب وقال أكثرهم عن حماد هي المنفقة قال الخطابي رواية المتعففة أشبه وأصح في المعنى لأن ابن عمر قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها فعطف الكلام على سببه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى وقد توهم بعضهم أن معنى العليا هو كون يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ من علو الشيء أي فوقه وليس ذلك عندي بالوجه وإنما هو من علو المجد والكرم يريد التعفف عن المسألة والترفع عنها انتهى كلامه وفي غريب الحديث لابن قتيبة زعم قوم أن العليا هي الآخذة والسفلى هي المعطية فقال وما أرى هؤلاء إلا أنهم استطابوا السؤال فأحبوا أن ينصروا مذهبهم ونسبه في المشارق للمتصوفة وأقول لعل وجه قولهم هذا إنه ينبغي للمعطي أن يتواضع لله في حال اعطائه ويجعل يده تحت يد الفقير الآخذ وأن يعلم أن الله تعالى هو الآخذ حقيقة وإن كان هو المعطي أيضا لما ورد من أنه يأخذ الصدقة ويربيها وينميها كما يربي أحدكم فلوه ولقوله تعالى مخاطبا لنبيه عليه الصلاة والسلام خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ولأن الآخذ هو سبب المراتب العالية للمعطي فلو لم يأخذ أحد ذلك لم يحصل له الثواب والله أعلم بالصواب ثم هنا دقيقة أخرى بالتقحيق أحرى وهي أنه إذا كانت اليد العليا خيرا من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية فيشكل بما اجتمعت عليه السادة الصوفية وجمهور القادة الفقهية من أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر فالجواب على ما ذكره بعض المحققين أن هذا الحديث بعينه يدل على المدعي فإن المعطي لم تحصل له المرتبة العليا إلا بإخراج شيء من الدنيا والآخذ لم يتسفل عن مرتبته القصوى إلا بأخذ شيء منها والحاصل أن الأول قول ظاهري حسي للفقهاء والثاني قول باطني معنوي للأولياء والجامع بينهما هو المحقق والله هو الموفق وقيل إن تفسير اليد العليا بالمعطية والسفلى بالسائلة مدرج في الحديث وقيل معنى المتعففة المنقبضة عن الآخذ وروي عن الحسن البصري أنه قال معنى الحديث يد المعطي خير من اليد المانعة. (وقوله) أي وكقوله على ما ذكره أبو نعيم في دلائله (في حديث العامريّ) أي مخاطبا له بلغته (حين سأله) أي العامري (فقال له النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم سل عنك أي سلّ عمّا شئت) أي عما شئت كما في نسخة ويجوز سل عن أمرك وشأنك (وهي) وفي نسخة وهو (لغة بني عامر وأمّا كلامه المعتاد) أي المأنوس لجميع العباد (وفصاحته المعلومة) أي لسائر البلاد (وجوامع كلمه) أي لمعان كثيرة بألفاظ يسيرة (وحكمه) جمع حكمة (المأثورة) أي المروية عنه الدالة على اتقان علمه وإحكام عمله (فقد ألّف النّاس فيها الدّاواوين) جمع ديوان بكسر داله وقد تفتح وهو فارسي معرب وأصله ذو وإن اعل إعلال دينار وجمعه دنانير وقد سبق الكلام فيه والأظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>