فيما رواه الشيخان (عن قيل وقال) بفتح لامهما وخفضهما منونا أي عن فضول ما يتحدث به في المجالس من قولهم قيل كذا وقال كذا ويجوز بناؤهما على أنهما ماضيان في كل منهما ضمير راجع إلى مقدر وهو الأشهر الأكثر بناء على الحكاية ويجوز إعرابهما إجراء لهما مجرى الأسماء ولا ضمير فيهما وعن أبي عبيد أنهما مصدران تقول قلت قولا وقيلا وقالا وقد قرئ قال الحق بدل قول الحق والمراد النهي عن نقل أقوال الناس مما لا فائدة فيه وقيل المراد النهي عن كثرة الكلام ابتداء وجوابا مما يوقع في الخطأ وما لا يجدي نفعا فيرجع إلى حديث كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ونسب للشافعي:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا ... سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ العلم أو إصلاح حال
(وكثرة السّؤال) أي عما بأيدي الناس بأن يسأل الناس أموالهم أو عن أخبارهم مما لا فائدة فيه من التجسس وقيل النهي عن الأغلوطات وفي كثرة السؤال دليل جواز القلة وشرطه الحاجة ولله در القائل:
بلوت مرارة الأشياء طعما ... فلا شيء امر من السؤال
وقيل السؤال عن المتشابهات وقيل كثرة سؤال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما لم ينزل ولم تدع الحاجة إليه ومنه قوله تعالى لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ومنه حديث وسكت عن أشياء غير نسيان فلا تبحثوا عنها والكثرة بالفتح وتكسر (وإضاعة المال) أي بصرفه في غير مرضاة الله عز وجل ويدخل في الاسراف في النفقة والبناء والملبوس والمفروش وأمثال ذلك وقيل إهماله وترك القيام عليه وقيل دفعه إلى السفهاء وقيل عدم صرفه في موضعه اللائق به كما قيل:
وما ضاع مال أورث المجد أهله ... ولكن أموال البخيل تضيغ
(ومنع) بالجر منونا وفي نسخة بفتح العين (وهات) بالكسر وفي نسخة بالفتح ويروى على بناء الماضي أي منع ما يجب عليه اعطاؤه وطلب ما ليس به (وعقوق الأمّهات) أي والآباء فهو من باب الاكتفاء أو لأن أكثر العقوق يقع بهن لضعفهن ورحمهن ولأنهن ما كان عند العرب كثير حرمة لهن أو للإيماء بأن عصيانهن اقبح لأنهن أكثر محبة وأشد شفقة لقوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ الآية ولما ورد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قيل له من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك (ووأد البنات) بهمزه ساكنة وتبدل أي دفنهن حيات أنفة وغيرة ومنهم من وأد تخفيفا لمؤنتهن وخشية الإملاق بهن ولذا خصهن بالذكر وإلا فالوأد حرام وكثر ذلك الفعل بهن ومنه حديث العزل الوأد الخفي ومع هذا جاء في الحديث أن دفن البنات من المكرمات ونعم الصهر القبر وروي عن ابن عباس رضي الله