للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَرْيَةَ إلى أن قال وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أي متواضعين لا متكبرين كالجبارين (ومن تواضعه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ) مثلث النون وبالهمزة ست لغات (ابن متّى) بفتح ميم وتشديد مثناة وهي أم يونس عليه السلام ولم يشتهر نبي بأمه غير عيسى ويونس كذا ذكره ابن الأثير في الكامل أما يونس فللغلبة وأما عيسى فلأنه لا أب له ومنه قول القائل:

ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان

مشيرا إلى آدم عليه السلام ولم يلده بفتح الياء وسكون اللام وفتح الدال للضرورة وقد قيل إنه من بني إسرائيل وإنه من سبط بنيامين قال الحجازي وما ذكر في قصص الكسائي من أن متى أبوه ليس بصحيح فإن قيل ما الجمع بين قوله في صحيح البخاري لا تفضلوني على يونس ابن فلان ونسبه إلى أبيه وظاهره أن متى أبوه وأجيب بأن متى مدرج في الحديث من كلام الصحابي لبيان يونس بما اشتهر به ولما كان ذلك موهما أن الصحابي سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دفع ذلك بقوله ونسبه إلى أبيه أي لا كما فعلت أنا من نسبته إلى أمه كذا ذكره الحجازي وتبعه الدلجي وغيره ولكن لا يخفى أن مثل هذا التصرف لا يجوز للراوي مع ما فيه من قلة أدب في نسبته إلى أمه لولا أنه منقول من أصله هذا ثم الحديث بهذا اللفظ غير معروف ولفظ البخاري لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى ولعل وجه تخصيصه نفيه سبحانه وتعالى عنه العزم بقوله تعالى فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ أو لما وقع له صلى الله تعالى عليه وسلم من المعراج العلوي وليونس عليه السلام من المعراج السفلي إيماء إلى أن الأمكنة بالإضافة إلى قرب الله تعالى على حد سواء تستوي فيه الأرض والسماء وقد أجاب العلماء عن هذا الحديث بأجوبة منها أنه قاله تأدبا وتواضعا ومنها أنه قال قبل أن يعلم أنه افضلهم فلما علم قال أنا سيد ولد آدم بل وفي البخاري أنا سيد الأولين والآخرين ولا فخر ومنها أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة كما ثبت سببه في الصحيح بورود لا تفضلوني على موسى كما سيجيء ومنها أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى نقص بعضهم لا عن كل تفضيل لثبوته في الجملة كما قال تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ومنها أنه نهى عن التفضيل في نفس النبوة لا في ذوات الأنبياء وعموم رسالتهم وزيادة خصائصهم ومزية حالاتهم وهذا معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم على ما رواه الشيخان (ولا تفضّلوا بين الأنبياء) وأما قوله عليه الصلاة والسلام (ولا تخيّروني على موسى) فسببه ما رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من أنه استب مسلم ويهودي قال والذي اصطفى موسى على العالمين فلطم المسلم وجهه وذكر ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسأل المسلم عنه فأخبره فقال لا تخيروني على موسى أي تخيير مفاضلة يؤدي

<<  <  ج: ص:  >  >>