يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةِ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ بها خالصة (وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة) أي مشاركة في الرزق والمعيشة قلبت همزتها واوا بدليل حديث ما أحد عندي أعظم يدا من أبي بكر آساني بنفسه وماله وآساه بالهمز أعلى من واساه وقيل لا تكون المواساة إلا من كفاف (وموازرة) أي معاونة من الوزر بمعنى الملجأ أو بمعنى الحمل وروي بالهمز مكانه من الأزر بمعنى الظهر لأن منه قوة البدن فوازره بمعنى قواه ووقع في أصل الدلجي تقديم موازرة وهو مخالف للأصول المعتبرة (ثم قال) أي الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما (فسألته) أي أبي (عن مجلسه) أي جلوسه صلى الله تعالى عليه وسلم أو مكانه وكيفية حاله ومراتب شأنه ولذا أبدل منه بقوله (عمّا كان يصنع فيه) أي في جلوسه أو مجلسه وقد أغرب الدلجي حيث قال هنا أيضا ما سبق له من أنه بفتح اللام كما تقدم قريبا والظاهر أنه يجوز بكسر اللام وقد تقدم أن فتحها خطأ مبنى ومعنى (فقال) أي علي (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يجلس) أي بعد قيامه من نوم أو غيره (ولا يقوم) أي بعد جلوسه (إلّا على ذكر) أي من إفادة علم وذكر أو بيان حمد وشكر عملا بقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ (ولا يوطّن الأماكن) من الإيطان أو التوطين أي لا يجعل لنفسه مجلسا معينا يعرف به بحيث لا يجلس في غيره (وينهى) أي غيره أيضا (عن إيطانها) أي اتخاذها معينة وقيل مصلى لصلاته المبينة فروى الحاكم وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى أن يوطن الرجل المكان يصلي فيه وفي رواية نهى عن أن يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير والمعنى أنه نهى أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا يصلي فيه كالبعير لا يأوي من العطن إلا إلى مبرك قد وطنه واتخذه مناخا له ولعله اريد به خصوص من لم يألف من المسجد مكانا يفتي به أو يدرس فيه فإن له أن يقيم من سبقه إليه لئلا يتفرق أصحابه عليه ولكن الأولى أن لا يلتزم جلوسه لمكان معين بحيث لا يتقدم ولا يتأخر عنه نظرا إلى عموم النهي ورخص للإمام بوقوفه في موضع معين من محراب المساجد للضرورة ولعل نهي غيره مخالفة دخول الرياء والسمعة في الطاعة ثم رأيت النووي صرح به حيث قال وإنما ورد النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه وإلا فلا بأس بملازمة الصلاة في موضع من البيت لحديث عقبان بن مالك فلم يجلس يعني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى ناحية من البيت الحديث وقال التلمساني كان مقعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند العمود المخلق وكان لأصحابه مواضع فيه معروفة الأماكن وقال بعض الشيوخ نهيه عن ذلك لوجوه أحدها خوف الرياء والسمعة والتظاهر بالملازمة والثاني أن يغيب فيقع الناس فيه فيأثمون به والثالث أن يرى أنه استحقه دون غيره قلت والرابع أنه يعتقد عدم جوازه في غيره كما قيل في كراهة تعيين سورة في صلاته وينبغي أن يستثني ملازمة المواضع المأثورة كما أنه استثنى ما ورد في قراءته الآثار المسطورة ولا يبعد أن النهي مختص بموضع يتبارك الناس بالصلاة فيه كتحت الميزاب