والمقام والمحراب والله أعلم بالصواب (وإذا انتهى إلى قوم) أي جالسين أو إلى مجلسهم (جلس حيث ينتهي به المجلس) ولم يتقدم عليهم ولم يتميز عنهم بل كان يجلس حيث اتفق معهم فإن شرف المكان بالمكين دون العكس المبين (ويأمر بذلك) تأكيدا للأمر بالقول بانضمامه إلى الفعل ويقول ان الله يكره عبده أن يراه متميزا عن أصحابه (ويعطي كلّ جلسائه نصيبه) أي من مباشرته ومحادثته (حتّى لا يحسب جليسه) أي لا يظن مجالسه (أنّ أحدا أكرم عليه منه) أي من غاية استجلاب خاطره ونهاية جبر حال ظاهره (من جالسه أو قاومه) أي وافقه في جلوسه أو قيامه بمعنى جلس معه أو قام (لحاجة) أي عارضة لصاحبه (صابره) أي بالغ في حبس نفسه للصبر معه (حتّى يكون هو المنصرف عنه) أي بعد انقضاء حاجته منه (من سأله حاجة لم يردّه) بفتح الدال وضمها (إلّا بها) أي إلا بقضائها أو وعد ادائها كما بينه بقوله (أو بميسور) أي بما تيسر له (من القول) وهو يشمل دعاءه له بحصولها فأو للتنويع وفيه إيماء إلى قوله تعالى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (قد وسع النّاس) بالنصب أي عمهم (بسطه وخلقه) أي بسط يده وانبساط خلقه وسماحة نفسه وسعة كرمه (فصار لهم أبا) أي من كمال الشفقة وحسن تأديب الترتبة لأن نبي كل قوم بمنزلة ابيهم كما قال تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ وفي قراءة شاذة بعد قوله سبحانه وتعالى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو أب لهم (وصاروا عنده في الحقّ) أي في حق الرحمة والرأفة (متقاربين) أي كالأولاد عند الوالدين متساوين في أصل المحبة (متفاضلين فيه بالتّقوى) أي عن المعصية والتقوى على الطاعة لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (وفي الرّواية الأخرى) أي عنه أو عن غيره (وصاروا عنده في الحقّ سواء) أي في حكم الحق للخصومة أو في أصل حق المودة مستوين. (مجلسه مجلس حلم) أي وقار وسكينة (وحياء وصبر وأمانة) أي لا مقام وقاحة وخفة وخيانة (لا ترفع فيه الأصوات) لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ الآية وهذا بيان لحلمهم وحيائهم (ولا تؤبن فيه الحرم) وضبطهما تقدم أي لا يذكرون فيه بسوء وهذا بيان لصبرهم وأمانتهم، (ولا تثنى) بضم أوله فسكون نون وفتح مثلثة أي لا تشاع ولا تذاع ولا تذكر من النثاء وهو أعم من ذكر الحسن والقبيح وخبر الخير والشر وقيل مختص بالشر وهو في هذا المقام أظهر فتدبر وفي نسخة بمثناة فمثلثة فنون أي لا تعاد (فلتاته) بفتحتين وقد تسكن اللام أي زلات مجلسه وعثرات من حضر في مقام أنسه والمعنى لم يكن لمجلسه فلتة فتنقل فالنفي منصب على القيد والمقيد كقوله تعالى لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً أي أصلا (وهذه الكلمة) أي الجملة الأخيرة وهي ولا تنثى فلتاته ثابتة (من غير الرّوايتين) أي المذكورتين في سند هذا الحديث (يتعاطفون) أي فيه كما في نسخة صحيحة أي في مجلسه خصوصا يتحابون وبتراحمون (بالتّقوى) أي بسببها لحديث أبي داود والترمذي لا تنزع الرحمة إلا من شقي أو بحسب تفاوت مراتبها حال كونهم (متواضعين) أي بعضهم لبعض كما قال تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى