للنقص أو التجهيل (الوجه الثّاني أنّه قاله صلى الله تعالى عليه وسلم على طريق التّواضع) أي مع إخوانه وأقرانه أو لربه في عظمة شأنه (ونفي التّكبّر، والعجب) أي عن باطنه تعليما لأمته وإرشادا إلى طريقته (وهذا) أي الوجه من التأويل (لا يسلم من الاعتراض) أي في صحة التعليل فإن عدم جريه على موجب علمه أخبار بخلاف وقوعه وهو ينافي منصب النبوة وفيه أن هذا الاعتراض إنما يرد لو ثبت نفيه تواضعا بعد علمه بكونه أفضل الأنبياء أو بتفصيل التفضيل بين الأصفياء وأما قبل العلم فلا يرد اعتراض أصلا مع احتمال حمل التواضع من حيث إنه لا مفضول إلا وقد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل فليس أحد منهم أفضل مطلقا على أن من تواضع لله رفعه الله وقد أبعد التلمساني حيث قال الاعتراض هو أنه لا يظهر حينئذ فائدة تخصيص يونس عليه السلام بالذكر انتهى وتبعه الأنطاكي وبعد كلامهما لا يخفى لأنه كما قال الخطابي إنما خص يونس عليه السلام لأن الله تعالى لم يذكره في جملة أولي العزم من الرسل فكأنه قال فإذا لم آذن لكم أن تفضلوني على يونس فلا تفضلوني على غيره من أولي العزم بالأولى. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَلَّا يُفَضِّلَ بَيْنَهُمْ تَفْضِيلًا يُؤَدِّي إلى تنقّص بعضهم) أي طلب نقصان في المرتبة أو ظهور منقصة في المنقبة لبعضهم (أو الغض) بغين وضاد مشددة معجمتين أي النقص منهم جميعا كذا ذكره الدلجي وفيه أن النسخ كلها (منه) بضمير الإفراد الراجع إلى بعضهم فالاولى أن يفسر الغض بالإغماض الذي هو كناية عن الاعراض (لا سيّما) كلمة استثناء مركبة من سي بمعنى مثل ومن ما وهي إما موصولة فيرتفع الاسم بعدها خبر مبتدأ محذوف كما في جاء القوم لا سيما أخوك أي لا مثل الذي هو أخوك وأما زائدة فينجر ما بعدها بسي لأنها كما في أكرم القوم لا سيما أخيك أي لا مثل أخيك إكراما وقول امرئ القيس ولا سيما يوم بدارة جلجل ورد مرفوعا ومجرورا والمعنى هنا خصوصا إذا كان التفضيل المتنازع فيه (فِي جِهَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ أَخْبَرَ الله عنه بما أخبر) أي في تنزيله بقوله ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم وبقوله فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ وبقوله إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
فوقع النهي عن التفضيل عليه (لِئَلَّا يَقَعُ فِي نَفْسِ مَنْ لَا يَعْلَمُ) أي مقام قربه وأنه تداركه نعمة من ربه (منه) متعلق بيقع أي لئلا يقع في نفس الجاهل بمقامه من جهة منزلته (بذلك) أي بسبب ما أخبر الله عنه (غضاضة) بفتح أوله مرفوعة على أنها فاعل يقع أي نقص وحقارة (وانحطاط) أي تنزل (من رتبته) بضم الراء أي مرتبته (الرّفيعة) أي العالية التي هي أصل النبوة والرسالة (إذ قال تعالى) بدل من قوله إذ خبر الله تعالى (عنه) أي حكاية عن حاله ورواية عن مآله حيث قال في موضع (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أي فارق قومه وخرج عنهم حال كونه مغاضبا عليهم لإصرارهم على الكفر والعدوان وعدم رجوعهم إلى الإيمان والإحسان وكان خروجه وذهابه لم يكن عن إذن من الرحمن ولذا عبر عنه بقوله (إذ أبق) بفتح الباء وحكي كسرها (إلى الفلك المشحون) أي المملوء فإن أصل الإباق هو الهرب من السيد فحسن إطلاقه عليه ههنا لهربه من قومه بغير إذن ربه (فَظَنَّ أَنْ