للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي قبل بيان العتاب، (وآنس) بالمد وفي نسخة بالفتح والشد وأصل الإيناس ضد الإيحاش فالمعنى كيف اذهب وحشة الإنس وأظهر لذة الإنس من حضرة القدس (بالعفو) أي بذكره (قبل ذكر الذّنب) من إضافة المصدر إلى مفعوله وفي نسخة قبل ذكره الذنب وجعله الحجازي أصلا والآخر رواية والمراد الذنب باعتبار الصورة الظاهرة المأخوذة من المعاتبة المعبر عنها بخلاف الأولى لما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين من حيث الغفلة في تلك الحالة عن مشاهدة المولى ولذا استدركه المنصف بقوله (إن كان) أي بالفرض والتقدير (ثمّ) بالفتح فالتشديد أي هناك (ذنب) والمعنى أنه لا ذنب هناك حقيقة وإنما وقع في صورة المعتبة، (وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [الإسراء: ٧٤] ) المعنى ولولا ثبوت تثبيتنا إياك لقد قاربت أن تميل إليهم شيئا يسيرا من أدنى الميل إذ ذاك لكن امتنع قرب ميلك وهواك لوجود تثبيتنا إياك ونظيره لو لاك لما خلقت الافلاك وهذا لأن لولا حرف امتناع للشيء لوجود غيره وأن مع الفعل في تأويل المصدر والجملة في محل الرفع على الابتداء والخبر محذوف لعلم السامع به واللام جواب لو كقولهم لولا زيد أي موجود لهلك عمرو والمحققون يقدرون مضافا قبل المبتدأ ليستغنى به عن تقدير الخبر مع قيام لو مقامه واختلفوا في سبب نزول الآية فقيل وهو المحكي عن مجاهد وابن جبير أن قريشا قالوا لا ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تمس أوثاننا فخطر في باله أن يفعل ليتمكن من استلام الحجر في مآله وقيل في استدعاء الأغنياء طرد الفقراء وقيل غير ذلك وقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين. (قال بعض المتكلّمين) أي من جملة المفسرين (عاتب الله الأنبياء) أي كآدم ونوح وداود عليهم الصلاة والسلام (بعد الزّلّات) أي العثرات الصورية والخطرات البشرية الضرورية فإن الزلة ما صدر من سالك الطريقة من غير قصد المخالفة، (وعاتب نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم قبل وقوعه) أي قبل وقوع الزلل وحصول الخلل (ليكون) أي النبي عليه الصلاة والسلام (بذلك) أي بسبب ذلك العتاب على وجه الاهتمام (أشدّ انتهاء) أي عن المخالفة، (ومحافظة لشرائط المحبّة) أي وأكثر مراعاة لشرائط المودة من الموافقة والمتابعة في الطاعة، (وهذه) أي الحالة (غاية العناية) أي ونهاية الرعاية في الحماية فإن المعاتبة إنما تكون على حسب المكانة أما ترى أن الله تعالى أخذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بمثاقيل الذر لقربهم عنده وحضورهم وتجاوز عن العامة أمثال الجبال لمكان بعدهم وغيبتهم فإن الزلة على بساط الآداب ليست كالذنب على الباب كما لا يخفى على أولي الألباب، (ثمّ انظر) أي أيها الناظر بعين الاعتبار وتفكر فيما يشار إليه من علو المقدار لأحمد المختار صلى الله تعالى عليه وسلم (كيف بدأ) أي الله (بثباته) أي على الموافقة (وسلامته) أي من المخالفة (قبل ذكر ما عتبه عليه) وفي نسخة عاتبه عَلَيْهِ، (وَخِيفَ أَنْ يَرْكَنَ إِلَيْهِ، فَفِي أَثْنَاءِ عتبه براءته، وفي طيّ تخويفه) أي في ضمن إخافته (تأمينه) أي جعله مأمونا من المخالفة

<<  <  ج: ص:  >  >>