والجملة كالعلة لما قبلها (وفي حديث الأشعريّين) أي أبي موسى وأصحابه (عند قدومهم المدينة) أي من اليمن أو الحبشة (أنّهم كانوا يرتجزون) أي يقولون هذا الرجز قبل حصول الصحبة ووصول القربة (غدا نلقى الأحبّة) جمع حبيب فعيل بمعنى مفعول (محمدا وصحبه) ويروى وحزبه والمراد بالرجز هنا الشعر الذي يشبه الرجز إذ ليس هذا من بحر الرجز المعروف فإنه بفتحتين ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ست مرات سمي لتقارب أجزائه وقلة حروفه وزعم الخليل أنه ليس بشعر وإنما هو انصاف من أبيات وأثلاث (وتقدّم قول بلال) أي انشاده هذا الرجز عند موته شوقا إلى لقائه (ومثله قال عمّار قبل قتله) وفي نسخة وكما قال عمار أي ابن ياسر أبو اليقظان العبسي من السابقين المعذبين في الله البدريين وكان معذبا بالنار في أيدي المشركين وكان عليه الصلاة والسلام يمر به فيمر يده عليه ويقول يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم روى عنه علي وابن عباس وغيرهما قتل بصفين مع علي عن ثلاث وتسعين من عمره وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم له تقتلك الفئة الباغية وقتله أبو الغادية واسمه يسار بن سبع سكن الشام ونزل واسط وعداده في الشاميين أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو غلام وسمع منه قوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وكان محبا لعثمان رضي الله تعالى عنه وكان إذا استأذن على معاوية يقول قاتل عمار بالباب أخرج له أحمد في المسند (وما ذكرناه) أي وتقدم أيضا ما ذكرناه (من قصّة خالد بن معدان) وفي نسخة في قصة خالد بن معدان (ومن علاماته) أي ومن دلالة شوق المحب إلى لقاء محبوبه (مع كثرة ذكره تعظيمه له) أي لذاته أو لأمره (وتوقيره) أي له كما في نسخة (عند ذكره) أي تنويها لرفعة محله (وإظهار الخضوع) وفي نسخة وإظهاره الخضوع وفي نسخة الخشوع بدل الخضوع والمعنى بهما التواضع والتذلل ظاهرا وباطنا (والانكسار) أي بوصف الافتقار وفي نسخة الانكماش أي الانقباض والاجتماع (مع سماع اسمه) أي حين سماع اسمه أو وصفه (قال إسحاق) وفي نسخة أبو إسحاق (التّجيبيّ) بضم التاء الفوقية وتفتح وقيل هو الأصح وبكسر الجيم نسبة إلى تجيب بطن من كندة منهم كنانة بن بشر التجيبي قاتل عثمان رضي الله تعالى عنه وتجوب قبيلة من حمير منهم ابن ملجم قاتل علي كرم الله تعالى وجهه (كان أصحاب النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بعده) أي بعد وفاته (لا يذكرونه) أي في حال من الأحوال (إلّا خشعوا) أي خضعوا وتذللوا (واقشعرّت جلودهم) أي انقبضت لحسرتهم عليه (وبكوا) أي لفراقه شوقا إليه (وكذلك) أي ومثل أصحابه في ذلك (كثير من التّابعين منهم) في نسخة كان منهم (من يفعل ذلك) أي يخشع ويقشعر ويبكي (محبّة له وشوقا إليه، ومنهم) أي من التابعين أو من الصحابة والاتباع أجمعين (من يفعله) أي ما ذكر من الخشوع والاقشعرار والبكاء (تهيّبا) أي مهابة (وتوقيرا) أي إجلالا وعظمة والحاصل أن بعضهم كانت المحبة غالبة عليهم وبعضهم كانت المخافة ظاهرة لديهم وهما مقامان شريفان لطائفتين من الصوفية السنية لكن مقام