أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى وقيل قوله تعالى وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وقيل قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ وقيل قوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الآية وقيل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ الآية ووجهه أنه سبحانه وتعالى أمرنا بالاحتياط لدنيانا الفانية التي نهانا عن الاغترار بها والركون إليها والاعتناء بها وأمرنا بالإعراض عنها والزهادة فيها فإذا لطف بنا فيها بما ارشدنا إليه مع حقارتها في طول آية من كلامه فكيف بالدار الباقية دار الخلد في النعيم والالتذاذ الذي لا يساوي بل لا يداني بالنظر إلى وجهه الكريم وفيه قول آخر وهو ما في صحيح مسلم من حديث الإفك فأنزل الله تعالى وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى إلى قوله تعالى وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ قال حبان بن موسى قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله عز وجل انتهى وقد أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ارجى آية في القرآن لهذه الأمة قوله تعالى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي هذا وأخوف آية في القرآن قيل وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقيل سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ وقيل قوله تعالى فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وقيل إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ وقيل قوله تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
وعن أبي حنيفة وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وعن الشافعي أنها قوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ انتهى واجتمعت الآيات سبعة في الخوف وعشرة في الرجاء إيماء إلى أنه سبقت رحمته غضبه وغلب رجاء ثوابه خوف عقابه.
(الخامس) أي من الستة (ما عدّه تعالى عليه) أي ذكر له (من نعمه) أي نعمائه وهو أنسب إلى قوله (وقرّره من آلائه) وهما مترادفان على ما قيل والأظهر أن وقت اجتماعهما يراد بهما نعمه الظاهرة والباطنة واختلفت في مفرد الآلاء فقيل إلى بالفتح والتنوين كرحى وقيل بالكسر والتنوين كمعى وقيل بفتحها وسكون اللام وبالواو كدلو وقيل بكسرها وسكون اللام وبالياء كنحى وقيل بالفتح وترك التنوين وقوله (قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة أي عنده وجهته ونحوه (في بقيّة السّورة) من أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً إلى فَأَمَّا الْيَتِيمَ تلويحا بأنه تعالى كما أحسن إليه سابقا يحسن إليه لاحقا كما قيل:
لقد أحسن الله فيما مضى ... كذلك يحسن فيما بقي
فمما عد وقرر موردا له على خلاف ترتيب السورة ما أشار إليه بقوله (من هدايته) مصدر مضاف إلى فاعله أي من هداية الله إياه (إلى ما هداه له) أي المستفادة بقوله تعالى وَوَجَدَكَ ضَالًّا أي جاهلا بتفاصيل أحكام الشريعة فَهَدى أي فهداك إليها ودلك عليها (أو هداية النّاس به) أي فهدى الناس بك زيادة على هدايتك في نفسك فجمع الله له بين الهداية القاصرة والمتعدية المعبر عنهما بالكمال والتكميل اللذين يصل بهما العبد إلى مقام