لكفرهم) كما مر وهو المناسب ههنا لأن المغاضبة مراغمة على ما في القاموس (وهو قول ابن عبّاس والضّحّاك وغيرهما) أي من المفسرين (لَا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ مُغَاضِبَةُ اللَّهِ مُعَادَاةٌ لَهُ وَمُعَادَاةُ اللَّهِ كُفْرٌ لَا يَلِيقُ بالمؤمنين فكيف بالأنبياء) لا سيما المرسلين (وقيل مستحييا من قومه أن يسموه) بفتح الياء وكسر السين وتخفيف الميم أي كراهة أن يصفوه (بالكذب) إذ قيل إنه قال لهم أأجلكم أربعين ليلة فقالوا إن رأينا أسباب الهلاك آمنا وظاهر هذا القيل إن مستحييا تفسير مغاضبا ولم أر هذا المبنى في كتب اللغة بهذا المعنى فكان الأولى أن يقال استحياء ولا يبعد أن يكون حالا أخرى مقدرة لتصحيح الكلام والله تعالى اعلم بالمرام (أو يقتلوه) أي ذهب مغاضبا لهم كراهة أن يقتلوه (كما ورد في الخبر) لم يعرف له من الأثر إلا أن الأنطاكي قال وهو ما روي أنه كان عندهم من كذب ولم يكن له بينة قتل (وقيل مغاضبا لبعض الملوك) أي لأجله (فيما أمره) أي يونس (بِهِ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى أَمْرٍ أَمَرَهُ اللَّهُ تعالى) أي أمر الله الملك (به على لسان نبيّ آخر) أي غير يونس عليهما السلام كان في زمنه (فَقَالَ لَهُ يُونُسُ غَيْرِي أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي (أي اعتذارا منه أو أراد المحجة السهلة حذرا من غلبة المشقة (فعزم عليه) أي حمله سبحانه وتعالى على الجد والصبر على مقاساة شدائد المر (فخرج لذلك) أي من أجل عزمه عليه ما لا طاقة لديه (مغاضبا) له تاركا ما أمره به لصعوبته لديه ولهذا قال تعالى لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ، (وقد روي عن ابن عبّاس) رضي الله تعالى عنهما (أنّ إرسال يونس ونبوّته) أي المقرونة بالرسالة إلى قومه بنينوى أي من الموصل (إنّما كان بعد أن نبذه الحوت) وقد سقط أن المصدرية بعد بعد ف أصل الدلجي فقال الحوت فاعل المصدر قبله المضاف إلى معموله أي قذفه من بطنه (واستدلّ) أي ابن عباس ويحتمل أن يكون بصيغة المجهول عطفا على روي أي وقد استدل لما روي عنه (بقوله) أي بظاهر قوله تعالى (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) أي قذفناه من بطن الحوت بمكان عار عن البناء والشجر ونحوهما (وَهُوَ سَقِيمٌ) أي اليم من حرارة بطن الحوت (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ) من كمال رأفتنا وجمال رحمتنا (شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به قيل هي الدباء لأن الذباب لا يقع عليها فجعلها الله تعالى فوقه مظلة له كالقبة ويقال إن ريح القرع من ريح يونس بقي فيه منه رائحة إلى القيامة (وَأَرْسَلْناهُ) أي إلى مائة ألف أو يزيدون يعني في رأي العين إذا رآهم الرائي قال هم مائة ألف أو أكثر والمراد وصفهم بالكثرة أو بمعنى بل ويؤيده أنه قرئ ويزيدون بالواو ووجه الاستدلال أن الأصل في إفادة الواو الترتيب كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام نبدأ بما بدأ الله تعالى به أن الصفا والمروة من شعائر الله ولا يعدل عن هذا المعنى إلا إذا عرف دليل خارج عن المبنى وهذا لا ينافي قولهم إن الواو لمطلق الجمع وأنها لا تفيد الترتيب فإن مرادهم أنه ليس نصا في المعنى لاحتمال ارادة غيره من هذا المبنى إذا وجد دليل على هذا المدعي هذا وقيل المراد بأرسلناه إرساله الأول إليهم أو هو إرسال ثان بعد ذلك إليهم