للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فالمعنى فاحذر أن تتوهم أن يكون هذا الغين ربنا أي حجابا شينا (وقع في قلبه عليه الصلاة السّلام) أي فينقلب عليك الملام (بل أصل الغين في هذا) أي المكنى به في المقام (ما يتغشّى القلب ويغطّيه) عما يقصده من المرام ولعل الحكمة في ذلك عدم القوة البشرية لدوام ما هنالك؛ (قاله) أي هذا المبنى اللغوي المترتب عليه المعنى الحقيقي (أبو عبيد) وهو معمر بن المثنى كذا ذكره الدلجي وقال الحلبي هو القاسم بن سلام بتشديد اللام انتهى وهو الظاهر في هذا المقام ويروى قال أبو عبيد (وأصله من غين السّماء) وفيه إيماء إلى مقام العلاء (وهو إطباق الغيم عليها) فهو سحاب عارض لا يمنع السماء عن مقام الاعتلاء؛ (وقال غيره) أي غير أبي عبيد (الغين شيء يغشّي القلب) بتشديد الشين وتخفيفها أي يستره ويخفيه (ولا يغطّيه كلّ التّغطية كالغيم الرّقيق) وهو السحاب الأبيض (الّذي يعرض في الهواء) بالمد (فلا يمنع ضوء الشّمس) أي بالكلية (وكذلك) أي مثل ما قدمناه لك فيما حذرناك من أن تفهم بالغين نوع وسوسة في البين (لا يفهم) بصيغة المجهول ليكون أعم ولا يبعد أن يكون بصيغة الخطاب والمراد به الخطاب العام (مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُغَانُ عَلَى قَلْبِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً فِي اليوم إذ ليس يقتضيه) أي هذا المعنى (لفظه الّذي ذكرناه) أي من المبنى (وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ وَإِنَّمَا هَذَا عَدَدٌ لِلِاسْتِغْفَارِ لا للعين) وفيه أن الرواية التي ذكرها المصنف بلفظ فاستغفر الله تقتضي ذلك بل الظاهر أن هذا العدد من الاستغفار يترتب على تحقق كل ما وقع من الغين في عين الأبرار نعم هذا لم يرد على ما ورد بلفظ وأني لأستغفر الله فإن صدر الحديث يشير إلى أنه قد يغان قلبه عن ربه وآخره يشعر بأنه يستغفر الله تعالى كثيرا لأجله أو بسبب غيره وحينئذ يحتمل أن يكون استغفاره لنفسه أو لغيره من المؤمنين أو للجمع بينهما وهو ظاهر قوله تعالى وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ مع ما فيه من تعليم الأمة وتحثيثهم على كثرة الاستغفار والتوبة عن المعصية والغفلة والتقصير في الطاعة والعبادة للاقتداء بسيد الأنبياء على أن في كثرة الاستغفار فتح باب الفناء وانكشاف مقام البقاء (فيكون المراد بهذا الغين) أي والله تعالى أعلم بحقيقته (إشارة إلى غفلات قلبه) أي في مقام المجاهدة (وفترات نفسه) أي في مرام المشاهدة (وسهوها) أي اشتغالها بما هو أهم عليها (عن مداومة الذّكر) أي اللساني إذ لا يمنع مانع عن مواظبة الذكر الجناني ولذا كان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك تداركا لما فاته من ذكر اللسان في درك الفضاء واشعارا بأنه قاصر عن القيام بشكر تلك النعماء كما أشار إليه بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم حينئذ الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني (ومشاهدة الحقّ) أي في مقام الفناء والاستغراق المطلق (بما كان) أي بسبب كونه (صلى الله تعالى عليه وسلم دفع إليه) بصيغة المجهول أي رد إليه وحمل عليه (من مقاساة البشر) أي من مكابدة لوازم البشرية من الأكل والشرب وسائر المقتضيات الطبيعية (وسياسة الأمّة) أي بالأحكام الشرعية (ومعاناة الأهل)

<<  <  ج: ص:  >  >>